عن الحقيقة والكيفيّة ؛ وإن لم يعتقد ذلك وغلب على قلبه الشكّ والإشكال : فإن أمكن إزالة الشك والإشكال بكلام قريب من الأفهام ، ازيل ـ وإن لم يكن قويّا عند المتكلّمين ولا مرضيّا ـ فذلك كاف ولا حاجة إلى تحقيق الدليل ، فإنّ الدليل لا يتمّ إلّا بذكر الشبهة والجواب ، ومهما ذكرت الشبهة لا يؤمن أن يتشبّث بالخاطر والقلب فيظنّها حقّة ، لقصوره عن إدراك جوابها ؛ إذ الشبهة قد تكون جليّة ، والجواب دقيقا [لا يحتمله] (١) عقله.
ولهذا زجر السلف عن البحث والتفتيش ، وعن الكلام ؛ وإنّما زجروا ضعفاء العوام ، وأمّا أئمّة الدين ، فلهم الخوض في غمرة الاشكالات.
ومنع العوام من الكلام يجري مجرى منع الصبيان عن شاطئ الدجلة خوفا من الغرق ، ورخصة الأقوياء فيه يضاهي رخصة الماهر في صنعة السباحة ؛ إلّا أنّ هاهنا موضع غرور ومزلّة قدم ، وهو أنّ كلّ ضعيف في عقله يظنّ أنّه يقدر على إدراك الحقائق كلّها ، وأنّه من جملة الأقوياء ؛ فربما يخوضون ويغرقون في بحر الجهالات من حيث لا يشعرون.
والصواب منع الخلق كلّهم ـ إلّا الشاذّ النادر الذي لا تسمح الأعصار إلّا بواحد منهم أو اثنين ـ من تجاوز سلوك مسلك السلف في الإيمان بالرسل والتصديق المجمل بكلّ ما
__________________
(١) ـ في النسخة : لا يحمله.