وصار الناس أصنافا : صنفا من أهل التدليس والتلبيس ـ وهم الذين شيّدوا أركان هذه الضلالة ـ وصنفا من أهل العمى والتقليد قد شبّه لهم الأمر ، فدخلوا فيه على غير بصيرة ، وصنفا اتّبعوهم خوفا وتقيّة.
فارتدّ أكثر الناس بسبب ارتداد المدلّسين ، وخرجوا عن زمرة المسلمين ـ كسنّة الله في امم سائر النبيّين ـ.
وذلك لأنّه لمّا استتمّ الأمر لأبي بكر ، صعد المنبر وقام خطيبا ، فقام إليه جماعة من المهاجرين والأنصار فأنكروا عليه أشدّ الإنكار ، وذكّروه حديث يوم الغدير ؛ فقال :
«أيّها الناس ـ أقيلوني ، أقيلوني ، فلست بخيركم وعليّ فيكم» (١).
فقام إليه عمر وقال له : «والله ما أقلناك ، ولا يلي هذا الأمر غيرك».
وكان في جملة من أنكر عليه مالك بن نويرة (٢) حين دخل المدينة ورآه على المنبر ، فتعجّب من نبذهم حديث يوم الغدير مع تلك التأكيدات. فخافوا أن يصيبهم من قبله فتق ، إذ كانت له قبيلة وكان من شجعان العرب يعدّ بمائة فارس ، فلمّا دخل إلى أهله بعثوا إليه خالد بن الوليد في جيش ليأخذ منه زكاة ماله ، فأخذ من خالد العهود والمواثيق
__________________
(١) ـ جاء في المعجم الأوسط (٩ / ٢٧١ ، ح ٨٥٩١) : «قام أبو بكر الغد حين بويع ، فخطب الناس فقال : أيها الناس إني قد أقلتكم رأيكم ، إني لست بخيركم ، فبايعوا خيركم».
وقد أشار إلى قوله هذا أمير المؤمنين عليهالسلام في خطبته المعروفة بالشقشقية : «... فيا عجبا! بينا هو يستقيلها في حياته ، إذ عقدها لآخر بعد وفاته ...».
راجع أيضا ما أورده ابن أبي الحديد شرحا لهذا الكلام : ١ / ١٦٨ ـ ١٦٩.
(٢) ـ راجع تفصيل القضية والروايات الواردة فيها في النص والاجتهاد : ١١٦ ـ ١٣٨. الغدير : ٧ / ١٥٨ ـ ١٦٩. وغيرها من كتب السير.