والأثرة (١) ، لما عبدت الله ـ تعالى ـ بعد موته يوما واحدا ، ولارتدّت في حافرتها ، وعاد قارحها جذعا وبازلها بكرا.
ثمّ فتح الله عليها الفتوح ، فأثرت بعد الفاقة ، وتموّلت بعد الجهد والمخمصة ، فحسن في عيونها من الإسلام ما كان سمجا ، وثبت في قلوب كثير منها من الدين ما كان مضطربا ، وقالت : لو لا أنّه حقّ لما كان كذا.
ثمّ نسبت تلك الفتوح إلى آراء ولاتها وحسن تدبير الامراء القائمين بها ، فتأكّد عند الناس نباهة قوم وخمول آخرين ؛ فكنّا ـ نحن ـ ممّن خمل ذكره وخبت ناره ، وانقطع صوته وصيته ، حتّى أكل الدهر علينا وشرب ، ومضت السنون والأحقاب ـ بما فيها ـ ومات كثير ممّن يعرف ، ونشأ كثير ممّن لا يعرف.
وما عسى أن يكون الولد ـ لو كان ـ إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يقرّبني ما يعلمونه من القرب للنسب واللحمة ، بل للجهاد والنصيحة ؛ أفتراه لو كان له ولد هل كان يفعل ما فعلت؟ وكذاك (٢) يقرب ما قربت.
ثمّ لم يكن ذلك عند قريش والعرب سببا للحظوة والمنزلة ، بل للحرمان والجفوة.
اللهم إنّك تعلم أنّي لم أرد الإمرة ولا علوّ الملك والرئاسة ، وإنّما أردت القيام بحدودك والأداء بشرعك ووضع الامور في مواضعها ، وتوفير الحقوق على أهلها ، والمضيّ على منهاج نبيّك وإرشاد الضالّ إلى أنوار هدايتك».
__________________
(١) ـ المصدر : الإمرة.
(٢) ـ اضيف في المصدر : لم يكن.