فصل [٦]
[إعجاز القرآن في التجدد الدائم]
أقول : إنّ أشرف وجوه إعجاز القرآن وأقواها عند اولي البصائر هو اشتماله على العلوم والأسرار وانطوائه على المعارف والأنوار وتضمّنه جوامع الكلم ولوامع الحكم الذي يعجز العقول عن إدراكها ، بل كلّما تقلقل الإنسان في رياض فنونها وتعمّق في بحار عيونها انفتحت له مسالك موصلة إلى مقفّلاتها ، واتّضحت له مدارك تبيّن جمل مشكلاتها ، وانكشفت له معالم يدرك بها وجوه صوابها ، ولاحت له لوائح تذلّل له شدائد صعابها ، فيستخرج بغوّاص عقله جواهر بحورها ، ويقدح بزناد فكره فيقتبس من أضواء نورها.
ويرى العلماء والعارفين في كلّ وقت في ازدياد لا ينتهون إلى غاية في بلوغ المراد ، (إِنَّ هذا لَرِزْقُنا ما لَهُ مِنْ نَفادٍ) ، وقد ملأت علوم الأقدمين الدفاتر ، وصدق من قال : «كم ترك الأوّل للآخر».
ولذلك قال الله ـ عزوجل ـ : (وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَ) [٣٤ / ٦].
وعلى هذا : فهو من المعجزات المتكرّرة التي تحدث بالتأمّل يوما فيوما وشيئا بعد شيء.
ومن هذا القبيل الأحاديث النبويّة ، وكلماته الجامعة صلىاللهعليهوآله ، فإنّ العالم الذكيّ ، ذا اللبّ الصالح والذكاء القادح ، إذا تأمّلها وبالغ في النظر فيها بصفاء القريحة ملاحظا لأنواع العلوم الدقيقة ، ومستحضرا لحكم