قسرا ، ثمّ تألّفهم بإحسانه ، واستمالهم بموعظة لسانه ، حتّى طابت له نفوسهم ، وانشرحت صدورهم ؛ وذلك معنى قوله صلىاللهعليهوآله (١) : «عجب ربّك من قوم يدخلون الجنّة في السلاسل» ، أي يدخلون في الإسلام الذي هو سبب دخولهم الجنّة ـ
فجزاه الله عنّا خير الجزاء بما بلّغ عن ربّه وصدع بأمره.
فصل [٤]
[اتصال النبي بالحق والخلق]
قال بعض المحقّقين (٢) :
ومن صفات النبيّ أن يكون جالسا في الحدّ المشترك بين عالم المعقول وعالم المحسوس ؛ فهو تارة مع الحق بالحبّ له ، وتارة مع الخلق بالرحمة عليهم والشفقة لهم ؛ فاذا عاد إلى الخلق كان كواحد منهم ، كأنّه لا يعرف الله وملكوته ، وإذا خلا بربّه مشتغلا بذكره وخدمته فكأنّه لا يعرف الخلق ؛ يأخذ من الله ويتعلّم من لدنه ، ويعطي لعباده ويعلّمهم ويهديهم (٣) ؛ فيسأل ويجاب ، ويسأل ويجيب ؛ ناظما للطرفين ، واسطة بين العالمين ؛ سمعا من جانب ، ولسانا إلى جانب.
__________________
(١) ـ البخاري : فضل الجهاد ، باب الأسارى في السلاسل ، ٤ / ٧٣ (بلفظ : عجب الله).
أبو داود : كتاب الجهاد ، باب في الأسير يوثق ، ٣ / ٥٦ ، ح ٢٦٧٧ ، (بلفظ : عجب ربنا) وكذا في المسند : ٢ / ٣٠٢ و ٤٠٦ و ٤٤٨. ويقرب منه ٢ / ٤٥٧ و ٥ / ٢٥٦.
(٢) ـ راجع الشواهد الربوبية : المشهد الخامس ، الشاهد الأول ، الإشراق التاسع ، ٣٥٥.
(٣) ـ في النسخة : يهدي لهم (التصحيح قياسي).