الإشارة بقوله تعالى : (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا) ـ الآية ـ [٤٢ / ٥٢].
ولا تبعد ـ أيها العاكف في عالم العقل ـ أن يكون وراء العقل طورا آخر ، يظهر فيه ما لا يظهر في عالم العقل ، كما لا يبعد كون العقل طورا وراء التمييز والإحساس ، تنكشف فيه غرائب وعجائب يقصر عنها الإحساس والتمييز ـ ولا تجعل أقصى الكمال وقفا على نفسك.
وان أردت مثالا مما نشاهده من جملة خواصّ بعض البشر ، فانظر إلى ذوق الشعر ، كيف يختصّ به قوم من الناس ـ وهو نوع إحساس وإدراك ـ ويحرم عنه بعضهم ، حتّى لا تتميّز عندهم الألحان الموزونة من المنزحفة (١). وانظر كيف عظمت قوّة الذوق في طائفة حتّى استخرجوا بها الموسيقي والأغاني والأوتار وصنوف الدستانات ـ التي منها المحزن ، ومنها المطرب ، ومنها المنوّم ، ومنها المضحك ، ومنها المجنّن ، ومنها القاتل ، ومنها الموجب للغشي ؛ وإنّما تقوي هذه الآثار فيمن له أصل الذوق ، وأمّا العاطل عن خاصيّة الذوق ،
__________________
(١) ـ في هامش النسخة :
«المنزحفة : ما فيه بعض الزحافات العروضيّة. والزحف في الأصل : تداني الجيش في القتال ؛ وفي الشعر ـ على وزن كتاب ـ هو أن تسقط بين الحرفين حرفا أو أزيد ، أو حركة ؛ فزاحف أحدهما إلى الآخر. والشعر مزاحف ـ بفتح الحاء ـ ومنه : يزحف إليه : إذا يمشي. (منه ـ ره)».