فقلت : «جعلت فداك ـ أليس الروح جبرئيل»؟
فقال : «جبرئيل من الملائكة ، والروح خلق أعظم من الملائكة ؛ أليس الله يقول : (تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ) [٩٧ / ٣]»؟
فصل [٣]
قال بعض العلماء (١) في بيان مراتب الأرواح البشريّة النوريّة :
إنّ الأول منها : الروح الحسّاس وهو الذي يتلقّى ما تورده الحواسّ الخمس ، وكأنّه أصل الروح الحيواني وأوله ، إذ به يصير الحيوان حيوانا ، وهو موجود للصبيّ الرضيع.
الثاني : الروح الخيالي ، وهو الذي يستثبت ما أورده الحواسّ ويحفظ [ه] مخزونا عنده ، ليعرضه على الروح العقلي الذي فوقه عند الحاجة إليه ، وهذا لا يوجد للصبيّ الرضيع في بداية نشوءه ، ولذلك يولع بالشيء ليأخذه ، فإذا غاب عنه فينساه ولا تنازعه نفسه إليه ، إلى أن يكبر قليلا فيصير بحيث إذا غيّب عنه بكى وطلب ، لبقاء صورته محفوظة في خياله.
وهذا قد وجد لبعض الحيوانات دون بعض ، ولا يوجد للفراش المتهافت على النار ، لأنّه يقصد النار فلشغفه بضياء النار ، فيظنّ أنّ السراج كوّة مفتوحة إلى موضع الضياء ، فيلقي نفسه فيتأذّى به ، لكنّه إذا جاوزه وحصل في الظلمة عاوده مرّة
__________________
(١) ـ الغزالي في مشكاة الأنوار : الفصل الثاني ، القطب الثاني : ٦٢.