فصل (١) [٤]
[الملائكة الغاذية]
وهؤلاء الأملاك دائما في شغلهم ، لا يمسكون عن أفعالهم طرفة عين ، فإنّ الشجر ـ مثلا ـ إذا سقى الماء ، أو الحيوان أكل الغذاء فذلك ليس بغذاء ولا أكل على الحقيقة ، وإنّما مثلها كمثل الجابي الجامع للمال في خزانته ـ وهي المعدة في الحيوان وما يجري مجراها في النبات ـ فاذا اخترن ما فيهما وأمسكا عن السقي والأكل ، فحينئذ يتولّاه الملائكة بالتدبير ، وتحيله من حال إلى حال ، وتغذيهما به في كلّ آن ونفس ؛ فهما لا يزالان في غذاء دائم.
ولو لا ذلك لبطلت الحكمة في نشأة كلّ متغذّ ؛ والله حكيم ، فإذا خلت الخزانة حرّكت الملائكة الجابي إلى تحصيل ما يملؤها به ، فاذا لم يوجد غذاء يحلّلون الموادّ والفضلات التي في البدن ؛ ولا يزال الأمر كذلك أبدا.
فهذه صورة الغذاء في كلّ نفس ، فكلّ نفس اكلها دائم في هذه النشأة ـ أيضا ـ كما في الآخرة.
* * *
__________________
(١) ـ عين اليقين : ٣٥٠.