فصل [٣]
[مراحل خلق الإنسان]
ثمّ انظر مع كمال
قدرته إلى تمام رحمته ، فإنّه لمّا ضاق الرحم عن الصبيّ ـ لمّا كبر ـ كيف هداه
السبيل حتّى تنكّس وتحرّك ، وخرج من ذلك المضيق ، وطلب المنفذ كأنّه عاقل بصير بما
يحتاج إليه.
ثمّ لمّا خرج
واحتاج إلى الغذاء ، كيف هداه إلى التقام الثدي.
ثمّ لمّا كان بدنه
سخيفا ـ لا يحتمل الأغذية الكثيفة ـ كيف دبّر له في خلق اللبن اللطيف ، واستخرجه
من بين الفرث والدم خالصا صائغا ، وكيف خلق الثديين وجمع فيهما اللبن ، وأنبت
منهما الحلمة على قدر ما ينطبق عليه فم الصبيّ ، ثمّ فتح في حلمة الثدي ثقبا ضيّقة
جدّا ، حتّى لا يخرج اللبن إلّا بعد المصّ تدريجا ـ فإنّ الطفل لا يطيق منه إلّا
القليل ـ ثمّ كيف هداه إلى الامتصاص حتّى يستخرج من المضيق اللبن الكثير عند شدّة
الجوع به.
ثمّ انظر إلى عطفه
ورأفته كيف أخّر خلق الأسنان إلى تمام الحولين ، لأنّه في الحولين لا يتغذّى إلّا
باللبن ، فيستغنى عن السنّ ، وإذا كبر لم يوافقه اللبن السخيف ، ويحتاج إلى طعام
غليظ ، ويحتاج الطعام إلى المضغ والطحن ؛ فأنبت له الأسنان عند الحاجة ، لا قبلها
ولا بعدها.
فسبحانه كيف أخرج
تلك العظام الصلبة من اللثات الليّنة ، ثمّ
__________________