ثانيا : لتنافرت وتباعدت ، وبطل امتزاجها ، واضمحلّ تركيبها ، وبطل المعنى الذي صار مستعدّا لقبوله التركيب والمزاج. وكحفظه الحيوانات (١) من أسباب خارجة لهلاكها ـ كسباع ضارية ، وأعداء منازعة ـ بآلات وأدوات هيّأها لها ، من الجواسيس المنذرة بقرب العدوّ كالعين والاذن ، ومن اليد الباطشة والأسلحة الدافعة كالدرع والترس ، والقاصدة كالسيف والسكّين ـ إلى غير ذلك ـ ؛ وحفظه لباب النباتات بقشره الصلب ، وطراوته بالرطوبة ، وما لا ينحفظ بمجرّد القشر حفظه بالشوك النابت منه ليدفع به بعض الحيوانات المتلفة. بل كلّ قطرة من ماء ، فلها حافظ يحفظها عن الهواء المضادّ لها ، وقد ورد في الخبر (٢) : «إنّه لا تنزل قطرة من المطر إلّا ومعها ملك يحفظها إلى أن تصل إلى مستقرّها من الأرض». والكلام في شرح حفظ الله السماوات والأرض وما بينهما طويل ـ كما في سائر الأفعال.
وحظّ العبد منه : أن يحفظ جوارحه وقلبه ، ويحفظ دينه عن سوطة الغضب (٣) وخلابة الشهوة (٤) وخداع النفس وغرور الشيطان ؛ فإنّه على شفا جرف هار ، وقد اكتنفه هذه المهلكات المفضية إلى البوار.
__________________
(١) ـ المصدر : الإنسان.
(٢) ـ المصدر : ١٢٢. وفي علل الشرائع (الباب ٢٢٢ النوادر ، ح ٨ ، ٢ / ٤٦٣) عن علي عليهالسلام : «... فليس من قطرة تقطر إلا ومعها ملك يضعها موضعها ...».
(٣) ـ المصدر : سطوة. وفي المصباح : «السوط ـ معروف ـ والجمع : أسواط وسياط ـ مثل : ثوب وأثواب وثياب ـ وضربه سوطا : أي ضربه بسوط. وقوله تعالى : (سَوْطَ عَذابٍ) : أي ألم سوط عذاب. والمراد الشدّة ، لما علم أن الضرب بالسوط أعظم ألما من غيره».
(٤) ـ خلبه يخلبه ـ من بابي قتل وضرب ـ : إذا خدعه. والاسم : الخلابة ـ بالكسر ـ والفاعل : الخلوب ـ مثل رسول ـ أي كثير الخداع. (مصباح)