في أيّام معدودة نعما في الآخرة غير محدودة ؛ ومن جازى الحسنة بأضعافها يقال : إنّه شكر تلك الحسنة ؛ ومن أثنى على المحسن ـ أيضا ـ فيقال ـ أيضا ـ : إنّه شكر ؛ فإن نظرت إلى معنى الزيادة في المجازاة ، لم يكن الشكور المطلق إلّا الله تعالى ، لأنّ زيادته في المجازاة غير محصورة ولا محدودة ، فإنّ نعيم الجنّة لا آخر لها ، والله ـ تعالى ـ يقول : (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ) [٦٩ / ٢٤].
وإن نظرت إلى معنى «الثناء» فثناء كل مثن على غيره ؛ والربّ ـ تعالى ـ إذا أثنى على أعمال عبده ، فقد أثنى على فعل نفسه ، لأنّ أعماله إنّما تتمّ بتوفيقه (١).
والعبد يتصوّر أن يكون شاكرا في حقّ عبد آخر مرّة بالثناء عليه بإحسانه إليه ، واخرى بمجازاته بأكثر ممّا صنعه إليه ، وذلك من الخصال الحميدة.
ففي الحديث (٢) : «من لم يشكر الناس لم يشكر الله».
وأمّا شكره لله فلا يكون إلّا بنوع من المجاز والتوسّع ، فإنّه إن أثنى
__________________
(١) ـ في هامش النسخة :
خود شكر چون كنم كه همه نعمت توام |
|
نعمت چگونه شكر كند بر زبان خويش |
(٢) ـ الترمذي : كتاب البرّ والصلة ، باب ما جاء في الشكر لمن أحسن إليك : ٤ / ٣٣٩ ، ح ١٩٥٥. المسند : ٢ / ٢٥٨. ٣ / ٣٢. المعجم الكبير : ٢ / ٣٥٦ ، ح ٢٥٠١. الجامع الكبير : ٧ / ١٠٤ ، ح ٢١١٨٣. كنز العمال : ٣ / ٢٥٩ ، ح ٦٤٤٣.
وجاء في أبي داود (كتاب الأدب ، باب في شكر المعروف : ٤ / ٢٥٥ ، ح ٤٨١١) : «لا يشكر الله من لا يشكر الناس». وجاء ما يقرب منه عن السجاد عليهالسلام في الكافي (كتاب الإيمان والكفر ، باب الشكر ، ح ٣٠ ، ٢ / ٩٩) وعن الرضا عليهالسلام (العيون : باب ٣١ فيما جاء عن الرضا عليهالسلام من الأخبار المجموعة : ٢ / ٢٤ ، ح ٢).