الخالق البارئ المصوّر
كلّ ما يخرج من العدم إلى الوجود ، فيفتقر إلى تقدير أوّلا ، وإلى الإيجاد على وفق التقدير ثانيا ، وإلى التصوير بعد الإيجاد ثالثا. فالله ـ سبحانه ـ هو الخالق البارئ المصوّر بالاعتبارات الثلاث.
وحظّ العبد من المصوّر ، أن يحصّل في نفسه صورة الوجود كلّه ، على ما هو عليه بهيئته ونظامه ، حتّى يحيط بها كأنّه ينظر إليها ؛ والخلق والإيجاد يرجع إلى استعمال القدرة بموجب العلم ؛ فإذا بلغ في مجاهدة نفسه بالرياضة ، وفي سياستها وسياسة الخلق مبلغا ينفرد فيها باستنباط امور لم يسبق إليه ، ويقدر مع ذلك على فعلها والترغيب فيها : كان كالمخترع لما لم يكن له وجود من قبل ، فينطلق عليه اللفظان ـ ولو بنوع من المجاز البعيد.
الغفّار
هو الذي أظهر الجميل وستر القبيح. والغفر : هو الستر.
وقد ستر الله ـ سبحانه ـ على العبد مقابح بدنه التي يستقبحها الأعين ، وغطّاه بجمال ظاهره ـ أوّلا.
ثمّ خواطره المذمومة وإراداته القبيحة المخطرة بباله في مجاري وساوسه وما ينطوي عليه ضميره ـ من الغشّ والخيانة وسوء الظنّ بالناس ـ التي لو انكشف شيء منها لهم لمقتوه وأهلكوه ـ ثانيا.
ثمّ ذنوبه التي يستحقّ الفضيحة بها على ملأ الخلق ، بإسبال الستر