عمره الشريف ـ قدسسره ـ وبما أنّها مكتوبة بالفارسية نقوم بتعريب المقصود منها ملخّصا (١) :
قال ـ قدسسره ـ :
«المنّة لله ـ عزوجل ـ بما ألقى من أوان الصبا في قلب عبده هذا شوقا إلى تحصيل الكمال وطلبه ، وكرّمه بإخلاص النيّة ، حتى تكون هذه النعم معينة له في سفره في طريق الحق. ووفّقه لأن يكون من مبدأ أمره إلى الآن ـ وقد جاوز عمره الثامنة والخمسون ـ إذا صرف شيئا من عمره فيما لا يعني أو في غير سلوك سبيل الحقّ ، رأى ذلك غبنا عظيما ـ ولا فخر.
كنت (٢) برهة في خدمة خالى المعظّم ـ الذي كان من الممتازين في عصره ـ في كاشان ، مشتغلا بتعلم التفسير والحديث والفقه واصول الدين وما تتوقّف عليه هذه العلوم من العربيّة والمنطق وغيرها ، إذ كان أبي وجدّي من المشتغلين بهذه العلوم والمخصوصين بالصلاح والعزلة ، ولم يتلوّث ذيل عزّتهم بغبار فضول الدنيا.
وبعد انقضاء العشرين من العمر سافرت إلى أصبهان لتحصيل الزيادة من العلوم الدينيّة ، وتشرّفت بخدمة جمع من الفضلاء ـ كثّر الله أمثالهم ـ ولكن لم أجد هنا أحدا عنده خبر من علم الباطن ، وتعلمت فيه شيئا من العلم الرياضي ، ثم توجّهت إلى شيراز لتحصيل الحديث والإسنادات المعنعنة ، ووصلت إلى خدمة فقيه العصر والمتبحّر في العلوم الظاهرية ، أعنى السيد ماجد بن هاشم الصادقي البحراني ـ تغمّده الله بغفرانه ـ واستفدت من حضرته ـ سماعا وقراءة وإجازة ـ شطرا معتدّا به من الحديث ومتعلقاته ، حتّى حصلت لي بصيرة ـ في الجملة ـ في علم الحلال والحرام وسائر الأحكام ، واستغنيت عن التقليد.
فرجعت إلى أصبهان ووصلت إلى حضرة الشيخ بهاء الدين محمد العاملي ـ قدسسره ـ وأخذت منه إجازة الرواية أيضا ، ثم توجّهت إلى
__________________
(١) ـ مجموعة الرسائل العشر الفارسية للفيض ـ قدسسره ـ : ٤٥ ـ ٧٣.
(٢) ـ الضمائر في النص الأصلي جميعها بصيغة الغائب ، وقد أبدلناها إلى الضمير الحاضر لكونه أوضح.