وعلى هذا المعتقد نرى بناء سيرة الفيض مع حكومة زمانه ، فإنه لمّا أحسّ أنّ أصحاب الحكم يميلون إلى تصحيح الامور وتقريبها إلى الشرع ـ ولو في الظاهر ـ اغتنم الفرصة في التدخّل في الامور والكون معهم ، حتى يتمكن من الأمر بالمعروف وإقامة الجمعة والجماعات ؛ ولكن لما دخل في هذا الميدان وأحسّ بعجزه عما ينويه ـ لأسباب شرحها ـ استعفى من الأمر والتجأ إلى الانزواء والخمول (١).
دراية الحديث
بما أنّ الفيض أخباريّ المسلك ، فتفترق طريقته في تحقيق نسبة الحديث إلى المعصوم مع سائر المحققين ، فلا يعتمد على تقسيماتهم للحديث وينتقد اصطلاحاتهم ـ مثل الصحيح والحسن والقوي والضعيف ـ حسب ما عرّفوه. قال (٢) :
«قال بعض الفضلاء : للصحيح عند القدماء ثلاثة معان : أحدها ما قطع بوروده عن المعصوم ، والثاني ذلك مع قيد زائد ـ وهو أن لا يظهر له معارض أقوى منه في باب العمل ـ والثالث ما قطع بصحّة مضمونه في الواقع وأنّه حكم الله في الواقع ولو لم يقطع بوروده عن المعصوم. وكذا للضعيف عندهم ثلاثة معان في مقابلها.
أقول : والمتأخّرون ، فالصحيح عندهم أن يكون رواته كلهم إماميّين موثّقين ؛ فإن كانوا إماميّين ولكنّهم ممدوحون بغير التوثيق ـ كلّا أو بعضا مع توثيق الباقي ـ سمّي حسنا ؛ وإن كانوا كلهم موثّقين ولكنّهم غير إماميّين كلّا ـ أو بعضا ـ سمّي موثّقا ، وغير الثلاثة يسمّى ضعيفا. ومنهم من يسمّي غير الأولين ضعيفا ، وللضعيف أقسام كثيرة كالمرسل والمرفوع وغيرهما».
وقال (٣) : «ثمّ ليعلم أنّ اعتبار الصحّة والضعف إنّما يجري فيما يتعلق من
__________________
(١) ـ راجع ما حكيناه في أول المقدمة من رسالة شرح الصدر.
(٢) ـ الاصول الأصيلة : ٦٣. والفاضل المنقول عنه صاحب الفوائد المدنية ، راجع فيه : ١٧٧.
(٣) ـ الاصول الأصيلة : ٦٥.