عمرو بن حريث عاشر عشرة ، وأنت أقصرهم خشبة ، وأقربهم من المطهرة ، وامض حتى أريك النخلة التي تصلب على جذعها ، فأراه إياها.
وكان ميثم يأتيها فيصلّي عندها ، ويقول : بوركت من نخلة لك خلقت ، ولي غذيت ، فلم يزل يتعاهدها حتى قطعت ، ثم كان يلقى عمرو بن حريث فيقول له : إني مجاورك فأحسن جواري ، فيقول له عمرو : أتريد أن تشتري دار ابن مسعود أو دار ابن حكيم؟ وهو لا يعلم ما يريد.
ثم حجّ في السنة التي قتل فيها ، فدخل غلام أمّ سلمة أم المؤمنين ، فقالت له : من أنت؟ قال : أنا ميثم. فقال : والله لربما سمعت من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يذكرك ويوصي بك عليا ، فسألها عن الحسين ، فقالت : هو في حائط له ، فقال : أخبريه أني قد أحببت السلام عليه فلم أجده ، ونحن ملتقون عند ربى العرش إن شاء الله تعالى ، فدعت أمّ سلمة بطيب فطيبت به لحيته ، فقالت له : أما إنها ستخضب بدم.
فقدم الكوفة ، فأخذه عبيد الله بن زياد ، فأدخل عليه ، فقال له : هذا كان آثر الناس عند علي. قال : ويحكم! هذا الأعجمي! فقيل له : نعم. فقال له : أين ربك؟ قال : بالمرصاد للظّلمة ، وأنت منهم. قال : إنك على أعجميتك لتبلغ الّذي تريد ، أخبرني ما الّذي أخبرك صاحبك أنّي فاعل بك. قال : أخبرني أنك تصلبني عاشر عشرة ، وأنا أقصرهم خشبة وأقربهم من المطهرة. قال : لنخالفنه. قال : كيف تخالفه؟ والله ما أخبرني إلا عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، عن جبرائيل ، عن الله ، ولقد عرفت الموضع الّذي أصلب فيه ، وأني أول خلق الله ألجم في الإسلام ، فحسبه وحبس معه المختار بن عبيد ، فقال ميثم للمختار : إنك ستفلت ، وتخرج ثائرا بدم الحسين ، فتقتل هذا الّذي يريد أن يقتلك.
فلما أراد عبيد الله أن يقتل المختار وصل بريد من يزيد يأمره بتخلية سبيله ، فخلّاه ، وأمر بميثم أن يصلب ، فلما رفع على الخشبة عند باب عمرو بن حريث قال عمرو : قد كان والله يقول لي : إني مجاورك ، فجعل ميثم يحدّث بفضائل بني هاشم ، فقيل لابن زياد : قد فضحكم هذا العبد. قال : ألجموه. فكان أول من ألجم في الإسلام ، فلما كان اليوم الثالث من صلبه طعن بالحربة فكبّر ، ثم انبعث في آخر النهار فمه وأنفه دما ، وكان ذلك قبل مقدم الحسين العراق بعشرة أيام.
قلت : ويأتي له حديث عن علي في ترجمة أبي طالب بن عبد المطلب في الكنى.
وتقدم لميثم هذا ذكر في ترجمة ميثم آخر في القسم الأول منه فليراجع منه.