الصحيحة والكاذبة ، ولا نقول إنهما كانا موجودين على أصالتهما إلى عهد النبي صلىاللهعليهوسلم ، ثم وقع فيهما التحريف. حاشا وكلّا. وكلام بولس على تقدير صحة النسبة إليه أيضا ليس بمقبول عندنا ، لأنه عندنا من الكاذبين الذين كانوا قد ظهروا في الطبقة الأولى ، وإن كان مقدسا عند أهل التثليث ، فلا نشتري قوله بحبّة. والحواريون الباقون بعد عروج عيسى عليهالسلام إلى السماء ، نعتقد في حقهم الصلاح ولا نعتقد في حقهم النبوّة. وأقوالهم عندنا كأقوال المجتهدين الصالحين محتملة للخطأ وفقدان السند المتّصل إلى آخر القرن الثاني ، وفقدان الإنجيل العبراني الأصلي لمتّى وبقاء ترجمته التي لم يعلم اسم صاحبها أيضا إلى الآن باليقين ، ثم وقوع التحريف فيها صارت أسبابا بالارتفاع الأمان عن أقوالهم. وهاهنا سبب ثالث أيضا ، وهو أنهم في كثير من الأوقات ما كانوا يفهمون مراد المسيح من أقواله ، كما ستعرف مفصّلا إن شاء الله. ولوقا ومرقس ليسا من الحواريين ولم يثبت بدليل كونهما من ذوي الإلهام أيضا. والتوراة عندنا ما أوحى إلى موسى عليهالسلام. والإنجيل ما أوحى إلى عيسى عليهالسلام. في سورة البقرة [٨٧] : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) ، وفي سورة المائدة [٤٦] في حق عيسى عليهالسلام : (وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ). وفي سورة مريم [٣٠] نقلا عن عيسى عليهالسلام : (آتانِيَ الْكِتابَ) أي الإنجيل. ووقع في سورة البقرة [١٣٦] وآل عمران [٨٤] : (وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى) ، أي التوراة والإنجيل. وأما هذه التواريخ والرسائل الموجودة الآن ليست التوراة والإنجيل المذكورين في القرآن ، فليسا واجبا التسليم ، بل حكمهما وحكم سائر الكتب من العهد العتيق أن كل رواية من رواياتها إن صدقها القرآن فهي مقبولة يقينا ، وإن كذبها القرآن فهي مردودة يقينا. وإن كان القرآن ساكتا عن التصديق والتكذيب فنسكت عنه ، فلا نصدق ولا نكذب. قال الله تعالى في سورة المائدة [٤٨] خطابا لنبيّه : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ) في معالم التنزيل.
في ذيل تفسير هذه الآية : «ومعنى أمانة القرآن ما قال ابن جريج : القرآن أمين على ما قبله من الكتاب. فما أخبر أهل الكتاب عن كتابهم ، فإن كان في القرآن فصدّقوه وإلّا فكذّبوه. وقال سعيد بن المسيّب والضحّاك قاضيا ، وقال الخليل رقيبا وحافظا ، ومعنى الكل أن كل كتاب يشهد بصدقه القرآن فهو كتاب الله وما لا فلا».
وفي التفسير المظهري : «إن كان في القرآن تصديقه فصدّقوه ، وإن كان في القرآن تكذيبه فكذبوه ، وإن كان القرآن ساكتا عنه فاسكتوا عنه لاحتمال الصدق والكذب». انتهى. وأورد الإمام البخاري رحمهالله تعالى حديثا عن ابن عباس رضي الله عنهما في كتاب