بل ، أهل العقل والعلم والحلم والمعرفة ، هم الأقلّون عددا
فى كلّ شريعة ؛ واشتملت الشّرائع على هذه الطّبقات من النّاس ، على تفاوت آرائها
ومذاهبها ؛ وليس فى رسم الشّرائع ، أن لا يقبل إلّا الكامل العاقل الدّيّن اللّبيب ، وأن يطرد عنها من نقص عن هذه المراتب ؛ ولا توجب الدّيانة ذلك ، بل يقبلون على مراتبهم ويعلّمون ما يحتاجون إليه من أمر دينهم ، ويؤمرون وينهون ويراضون ؛ ثمّ حسابهم على الله عزوجل ، يجازى كلا بعمله ، وعلى مقدار قبوله الأمر والنّهى ، وسعيه لأمر معاده ؛ اذ كان الله عزوجل ، يستعبد الأنام على مقدار عقولهم ووسعهم وطاقتهم ؛ ثمّ هو
أعلم بما يستوجبون من الثّواب والعقاب وإنّه عليم بذات الصّدور ؛ كما أمر به رسوله
محمّدا (ص) ، وسنّه له فى القرآن ، فقال تبارك اسمه : (فَإِنَّما
عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسابُ) وقال : (وَلا
تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ
وَجْهَهُ ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ
مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ) .
(٢) هكذا جرت السنّة فيمن تقدّم من الأنبياء ، كما قال الله
عزوجل فى قصّة نوح (ع) لمّا عيّره قومه باتّباعه ، وقالوا له. «أنؤمن
لك واتّبعك الارذلون» قال لهم «وما علمى بما كانوا يعملون ان حسابهم الّا على ربّي
لو تشعرون وما أنا بطارد
المؤمنين» فقد دلّ أنّهم لم يطردوا
أتباعهم ، وان قلّت معرفتهم ، وضعفت عقولهم ؛ بل ، علّموهم وبلّغوا رسالات الله ،