كنت في زمن الصّبا وأنا ابن سبع عشرة سنة سافرت مع أبي وعمّي من خراسان إلى الهند في تجارة ، فلما بلغنا أوائل بلاد الهند وصلنا إلى ضيعة من الضياع ، فعرج القفّل نحوها فنزلوا بها ، فضجّ أهل القافلة فسألناهم عن ذلك. فقالوا : هذه ضيعة الشّيخ رتن المعمّر ، فلما نزلنا خارج الضّيعة رأينا بفنائها شجرة عظيمة تظلّ خلقا عظيما وتحتها جمع عظيم من أهل الضّيعة ، فبادر الكلّ نحو الشّجرة ونحن معهم ، فلما رآنا أهل الضّيعة رحّبوا بنا فرأينا زنبيلا كبيرا معلقا في بعض أغصان تلك الشجرة ، فسألناهم فقالوا : في هذا الزنبيل الشيخ رتن الّذي رأى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ودعا له بطول العمر ستّ مرات ، فسألناهم أن ينزلوا الشيخ لنسمع كلامه وحديثه. فتقدّم شيخ منهم إلى الزنبيل وكان ببكرة فأنزله فإذا هو مملوء بالقطن والشيخ في وسط القطن ، ففتح رأس الزنبيل فإذا الشيخ فيه كالفرخ ، فحسر عن وجهه ووضع فمه على أذنه ، وقال : يا جدّاه ، هؤلاء قوم قد قدموا من خراسان وفيهم شرفاء من أولاد النّبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وقد سألوا أن تحدثهم كيف رأيت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم؟ وما ذا قال لك؟
فعند ذلك تنفس الشيخ ، وتكلم بصوت كصوت النحل بالفارسية ونحن نسمع ونفهم ، فقال : سافرت مع أبي وأنا شابّ من هذه البلاد إلى الحجاز في تجارة ، فلما بلغنا بعض أودية مكّة ، وكان المطر قد ملأ الأودية ، فرأيت غلاما أسمر اللون مليح الكون ، حسن الشمائل ، وهو يرعى إبلا في تلك الأودية ، وقد حال السيل بينه وبين إبله وهو يخشى من خوض الماء لقوة السيل ، فعلمت حاله ، فأتيت إليه وحملته وخضت السيل إلى عند إبله من غير معرفة سابقة ، فلما وضعته عند إبله نظر إليّ وقال بالعربيّة : بارك الله في عمرك ، بارك الله في عمرك ، بارك الله في عمرك ، فتركته ومضيت إلى حال سبيلي إلى أن دخلنا مكة ، وقضينا ما أتينا له من أمر التّجارة ، وعدنا إلى الوطن ، فلما تطاولت المدة على ذلك كنا جلوسا في فناء ضيعتنا هذه في ليلة مقمرة ليلة البدر ، والبدر في كبد السماء إذ نظرنا إليه وقد انشق نصفين فغرب نصف في المشرق ونصف في المغرب ساعة زمانية ، وأظلم الليل ثم طلع النصف الأول من المشرق والنّصف الثاني من المغرب إلى أن التقيا في وسط السماء كما كان أول مرة ، فتعجبنا من ذلك غاية العجب ، ولم نعرف لذلك سببا ، فسألنا الرّكبان عن خبر ذلك وسببه ، فأخبرونا أنّ رجلا هاشميا ظهر بمكّة ، وادّعى أنه رسول الله إلى كافة العالم وأن أهل مكّة سألوه معجزة كمعجزات سائر الأنبياء ، وأنهم اقترحوا عليه أن يأمر القمر أن ينشقّ في السماء ويغرب نصفه في المشرق ونصفه في المغرب ، ثم يعود إلى ما كان عليه ، ففعل لهم ذلك بقدرة الله تعالى.