إبراهيم ، ألهذا خلقت؟ أبهذا أمرت؟ ففزعت ووقفت ثم تعوّذت وركضت الدابة ، ففعل ذلك مرارا ، ثم هتف بي هاتف من قربوس السّرج ، والله ما لهذا خلقت ولا بهذا أمرت. قال : فنزلت فصادفت راعيا لأبي يرعى الغنم ، فأخذت جبة الصوف فلبستها ، ودفعت إليه الفرس وما كان معي ، وتوجهت إلى مكة ، فبينا أنا في البادية إذا أنا برجل يسير ليس معه إناء ولا زاد ، فلما أمسى وصلّى المغرب حرّك شفتيه بكلام لم أفهمه ، فإذا أنا بإناء فيه طعام وإناء فيه شراب ، فأكلت معه وشربت ، وكنت على هذا أياما ، وعلمني اسم الله الأعظم ، ثم غاب عنّي ، وبقيت وحدي ، فبينا أنا ذات يوم مستوحش من الوحدة دعوت الله فإذا شخص آخذ بحجزتي ، فقال لي : سل تعطه فراعني قوله فقال لي : «لا روع عليك ، أنا أخوك الخضر».
وذكر عبد المغيث بن زهير الحربيّ الحنبليّ في جزء جمعه في أخبار الخضر عن أحمد بن حنبل ، قال : كنت ببيت المقدس ، فرأيت الخضر وإلياس.
وعن أحمد قال : كنت نائما فجاءني الخضر فقال : قل لأحمد : إن ساكني السماء والملائكة راضون عنك.
وعن أحمد بن حنبل أنه خرج إلى مكة فصحب رجلا. قال : فوقع في نفسي أنه الخضر.
قال ابن الجوزيّ في نقض ما جمعه عبد المغيث : لا يثبت هذا عن أحمد.
قال : وذكر فيه عن معروف الكرخي أنه قال : حدّثني الخضر قال : ومن أين يصح هذا عن معروف؟
وقال أبو حيّان في تفسيره : أولع كثير ممّن ينتمي إلى الصلاح أن بعضهم يرى الخضر.
وكان الإمام أبو الفتح القشيري يذكر عن شيخ له أنه رأى الخضر وحدثه فقيل له : من أعلمه أنه الخضر ، أم كيف عرف ذلك؟ فسكت ، قال : ويزعم بعضهم أن الخضرية يتولاها بعض الصّالحين على قدم الخضر. ومنه قول بعضهم لكل زمان خضر.
قلت : وهذا فيه تسليم أن الخضر المشهور مات.
قال أبو حيّان : وكان بعض شيوخنا في الحديث وهو عبد الواحد العباسي الحنبليّ يعتقد أصحابه فيه أنه يجتمع بالخضر.
قلت : وذكر لي الحافظ أبو الفضل العراقي بن الحسين شيخنا أنّ الشيخ عبد الله بن أسعد اليافعيّ كان يعتقد أنّ الخضر حيّ ، قال : فذكرت له ما نقل عن البخاريّ والحربي وغيرهما من إنكار ذلك ، فغضب ، وقال : من قال إنه مات غضبت عليه. قال : فقلنا رجعنا عن اعتقاد موته. انتهى.