قوله تعالى : (كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ) فيه أربعة أقوال (١) : أحدها : أنه كما أوحيت (حم عسق) إلى كلّ نبيّ ، كذلك نوحيها إليك ، قاله أبو صالح عن ابن عباس (٢). والثاني : كذلك نوحي إليك أخبار الغيب كما أوحينا إلى من قبلك ، رواه عطاء عن ابن عباس. والثالث : أنّ «حم عسق» نزلت في أمر العذاب ، فقيل : كذلك نوحي إليك أنّ العذاب نازل بمن كذّبك كما أوحينا ذلك إلى من كان قبلك ، قاله مقاتل. والرابع : أنّ المعنى : هكذا نوحي إليك ، قاله ابن جرير.
وقرأ ابن كثير : «يوحى» بضمّ الياء وفتح الحاء كأنه إذا قيل : من يوحي؟ قيل : الله. وروى أبان عن عاصم : «نوحي» بالنون وكسر الحاء.
(تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ) قرأ ابن كثير ، وابن عامر ، وحمزة : «تكاد» بالتاء «يتفطّرن» بياء وتاء مفتوحة وفتح الطاء وتشديدها. وقرأ نافع ، والكسائيّ ، «يكاد» بالياء «يتفطّرن» مثل قراءة ابن كثير. وقرأ أبو عمرو ، وأبو بكر عن عاصم : «تكاد» بالتاء «ينفطرن» بالنون وكسر الطاء وتخفيفها ، أي : يتشقّقن (مِنْ فَوْقِهِنَ) أي : من فوق الأرضين من عظمة الرّحمن ؛ وقيل : من قول المشركين : «اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً». ونظيرها التي في مريم (٣). (وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ) قال بعضهم : يصلّون بأمر ربّهم ؛ وقال بعضهم : ينزّهونه عمّا لا يجوز في صفته (وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ) فيه قولان : أحدهما : أنه أراد المؤمنين ، قاله قتادة ، والسّدّيّ. والثاني : أنهم كانوا يستغفرون للمؤمنين ، فلمّا ابتلي هاروت وماروت استغفروا لمن في الأرض. ومعنى استغفارهم : سؤالهم الرّزق لهم ، قاله ابن السّائب. وقد زعم قوم منهم مقاتل أنّ هذه الآية منسوخة بقوله : (وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا) (٤) ، وليس بشيء ، لأنهم إنّما يستغفرون للمؤمنين دون الكفّار ، فلفظ هذه الآية عامّ ، ومعناها خاصّ ، ويدلّ على التّخصيص قوله :
(وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا) لأنّ الكافر لا يستحقّ أن يستغفر له.
قوله تعالى : (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ) يعني كفّار مكّة اتّخذوا آلهة فعبدوها من دونه (اللهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ) أي : حافظ لأعمالهم ليجازيهم بها (وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ) أي : لم نوكّلك بهم فتؤخذ بهم. وهذه الآية عند جمهور المفسّرين منسوخة بآية السّيف ، ولا يصحّ.
(وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (٧) وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ ما لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (٨) أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ فَاللهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٩))
__________________
(١) قال الزمخشري رحمهالله في «الكشاف» ٤ / ٢١٣ : (كذلك يوحى إليك) أي مثل ذلك الوحي. أو مثل ذلك الكتاب يوحي إليك وإلى الرسل (من قبلك) يعني أن ما تضمنته هذه السورة من المعاني قد أوحى الله إليك مثله في غيرها من السور ، وأوحاه من قبلك إلى رسله ، على معنى : أن الله تعالى كرر هذه المعاني في القرآن في جميع الكتب السماوية ، لما فيها من التنبيه البليغ واللطف العظيم لعباده في الأولين والآخرين ، ولم يقل : أوحي إليك ، ولكن على لفظ المضارع ، ليدل على أن إيحاء مثله عادته.
(٢) أبو صالح غير ثقة وبخاصة في ابن عباس ، وروايته الكلبي ، وهو وضاع.
(٣) مريم : ٩٠.
(٤) غافر : ٧.