سورة العصر
وفيها قولان : أحدهما : أنها مكّيّة ، قاله ابن عباس ، وابن الزّبير ، والجمهور. والثاني : مدنيّة ، قاله مجاهد ، وقتادة ، ومقاتل.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(وَالْعَصْرِ (١) إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ (٢) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ (٣))
قوله عزوجل : (وَالْعَصْرِ) فيه ثلاثة أقوال (١) :
أحدها : أنه الدّهر ، قاله ابن عباس ، وزيد بن أسلم ، والفرّاء ، وابن قتيبة. وإنما أقسم بالدّهر لأنّ فيه عبرة للناظر من مرور الليل والنهار على تقدير لا ينخرم. والثاني : أنه العشيّ ، وهو ما بين زوال الشمس وغروبها ، قاله الحسن وقتادة. والثالث : صلاة العصر ، قاله مقاتل.
قوله عزوجل : (إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ) قال الزّجّاج : هو جواب القسم. والإنسان هاهنا بمعنى الناس ، كما تقول : كثر الدّرهم في أيدي الناس تريد الدّراهم. والخسر والخسران في معنى واحد. قال أهل المعاني : الخسر : هلاك رأس المال أو نقصه. والإنسان إذا لم يستعمل نفسه وعمره فيما يوجب له الرّبح الدائم ، فهو في خسران ، لأنه عمل في إهلاك نفسه وعمره ، وهما أكبر رأس ماله ، (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا) أي : صدّقوا الله ورسوله ، وعملوا بالطاعة (وَتَواصَوْا بِالْحَقِ) أي : بالتوحيد ، والقرآن ، واتّباع الرّسول (وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ) على طاعة الله ، والقيام بشريعته. وقال إبراهيم في تفسير هذه السّورة : إنّ الإنسان إذا عمّر في الدنيا لفي نقص وضعف ، إلّا المؤمنين ، فإنهم يكتب لهم أجور أعمالهم التي كانوا يعملون في شبابهم وصحّتهم.
__________________
(١) قال ابن كثير رحمهالله في «تفسيره» ٤ / ٦٥٧ : العصر : الزمان الذي يقع فيه حركات بني آدم ، من خير وشر ، وقال مالك ، عن زيد بن أسلم : هو العشي ، والمشهور الأول. وقال الشافعي رحمهالله : لو تدبر الناس هذه السورة لوسعتهم. وقال الزمخشري في «الكشاف» ٤ / ٨٠٠ : أقسم بصلاة العصر لفضلها ، بدليل قوله تعالى (وَالصَّلاةِ الْوُسْطى) وقوله عليه الصلاة والسلام : «من فاتته العصر فكأنما وتر أهله وماله» متفق عليه ، ولأن التكليف في أدائها أشق لتهافت الناس على تجارتهم ومكاسبهم آخر النهار ، واشتغالهم بمعايشهم.