فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (١٥) فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ (١٦) وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (١٧) وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (١٨))
قوله تعالى : (فَإِنْ أَعْرَضُوا) عن الإيمان بعد هذا البيان (فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً) الصّاعقة : المهلك من كلّ شيء ؛ والمعنى : أنذرتكم عذابا مثل عذابهم. وإنّما خصّ القبيلتين ، لأنّ قريشا يمرّون على قرى القوم في أسفارهم. (إِذْ جاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ) أي : أتت آباءهم ومن كان قبلهم (وَمِنْ خَلْفِهِمْ) أي : من خلف الآباء ، وهم الذين أرسلوا إلى هؤلاء المهلكين (أَلَّا تَعْبُدُوا) أي بأن لا تعبدوا (إِلَّا اللهَ قالُوا لَوْ شاءَ رَبُّنا) أي لو أراد دعوة الخلق (لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً).
قوله تعالى : (فَاسْتَكْبَرُوا) أي : تكبّروا عن الإيمان وعملوا بغير الحقّ. وكان هود قد تهدّدهم بالعذاب فقالوا : نحن نقدر على دفعه بفضل قوّتنا. والآيات هاهنا : الحجج. وفي الرّيح الصّرصر أربعة أقوال : أحدها : أنها الباردة ، قاله ابن عباس ، وقتادة ، والضّحّاك. وقال الفرّاء : هي الرّيح الباردة تحرق كالنار ، وكذلك قال الزّجّاج : هي الشديدة البرد جدّا ؛ فالصّرصر متكرّر فيها البرد ، كما تقول : أقللت الشيء وقلقلته ، فأقللته بمعنى رفعته ، وقلقلته : كرّرت رفعه. والثاني : أنها الشّديدة السّموم ، قاله مجاهد. والثالث : الشّديدة الصّوت ، قاله السّدّيّ ، وأبو عبيدة ، وابن قتيبة. والرابع : الباردة الشديدة ، قاله مقاتل.
قوله تعالى : (فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ) قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو : «نحسات» بإسكان الحاء ؛ وقرأ الباقون : بكسرها. قال الزّجّاج : من كسر الحاء ، فواحدهن «نحس» ، ومن أسكنها ، فواحدهنّ «نحس» ؛ والمعنى : مشؤومات. وفي أوّل هذه الأيّام ثلاثة أقوال (١) : أحدها : غداة يوم الأحد ، قاله السّدّيّ. والثاني : يوم الجمعة ، قاله الرّبيع بن أنس. والثالث : يوم الأربعاء ، قاله يحيى بن سلام. والخزي : الهوان.
قوله تعالى : (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ) فيه ثلاثة أقوال : أحدها : بيّنّا لهم ، قاله ابن عباس ، وسعيد بن جبير. وقال قتادة : بيّنّا لهم سبيل الخير والشرّ. والثاني : دعوناهم ، قاله مجاهد. والثالث : دللناهم على مذهب الخير ، قاله الفرّاء. قوله تعالى : (فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى) أي اختاروا الكفر على الإيمان (فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ) أي ذي الهوان ، وهو الذي يهينهم.
(وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (١٩) حَتَّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ
__________________
(١) وهذا من الشؤم المنهي عنه ، حيث لا دليل عليه ، وإنما هي روايات إسرائيلية ، ولا يصح تعيين اسم هذا اليوم ، والقرآن لم يذكر ذلك. قال ابن كثير في «تفسيره» ٤ / ١١٢ : وقوله (فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ) أي متتابعات ، (سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً) : أي ابتدءوا بهذا العذاب في يوم نحس عليهم ، واستمر بهم هذا النحس سبع ليال وثمانية أيام ، حتّى أبادهم عن آخرهم ، واتصل بهم خزي الدنيا بعذاب الآخرة.