وهذا قول من جعلها من أشراط الساعة ، لأنها حين ابتدأت لم يعلم الكلّ أنها من أشراط الساعة ، فسأل بعضهم بعضا حتى أيقنوا. والثاني : أنه الكافر خاصّة ، وهذا قول من جعلها زلزلة القيامة ، لأنّ المؤمن عارف بها فلا يسأل عنها ، والكافر جاحد لها لأنه لا يؤمن بالبعث ، فلذلك يسأل.
قوله عزوجل : (يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها) قال الزّجّاج : «يومئذ» منصوب بقوله عزوجل : (إِذا زُلْزِلَتِ وَأَخْرَجَتِ) ففي ذلك اليوم تحدّث بأخبارها ، أي : تخبر بما عمل عليها.
(١٥٦٠) وفي حديث أبي هريرة عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : أتدرون ما أخبارها؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : فإنّ أخبارها أن تشهد على كلّ عبد وأمة بما عمل على ظهرها تقول : عمل كذا وكذا يوم كذا وكذا.
قوله عزوجل : (بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها) قال الفرّاء : تحدّث أخبارها بوحي الله وإذنه لها. قال ابن عباس : أوحى لها ، أي : أوحى إليها ، وأذن لها أن تخبر بما عمل عليها. وقال أبو عبيدة : «لها» بمعنى «إليها». قال العجّاج :
وحى لها القرار فاستقرّت
قوله عزوجل : (يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ) أي : يرجعون عن موقف الحساب (أَشْتاتاً) أي : فرقا. فأهل الإيمان على حدة وأهل الكفر على حدة (لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ) وقرأ أبو بكر الصّدّيق ، وعائشة ، والجحدريّ : «ليروا» بفتح الياء. قال ابن عباس : أي ليروا جزاء أعمالهم. فالمعنى : أنهم يرجعون عن الموقف فرقا لينزلوا منازلهم من الجنّة والنّار. وقيل : في الكلام تقديم وتأخير ، تقديره : تحدّث أخبارها بأنّ ربّك أوحى لها ليروا أعمالهم يومئذ يصدر الناس أشتاتا. فعلى هذا : يرون ما عملوا من خير أو شرّ في موقف العرض.
____________________________________
(١٥٦٠) يشبه الحسن ، أخرجه الترمذي ٢٤٢٩ و ٣٣٥٣ والنسائي في «التفسير» ٧١٣ وأحمد ٢ / ٣٧٤ وابن حبان ٧٣٦٠ من طرق عن ابن المبارك عن يحيى بن أبي سليمان به. إسناده لين ، رجاله ثقات سوى يحيى بن أبي سليمان. قال البخاري : منكر الحديث ، وقال أبو حاتم : مضطرب الحديث ليس بالقوي يكب حدثه ، ووثقه ابن حبان والحاكم ، وقال ابن عدي : هو ممن تكتب أحاديثه وإن كان بعضها غير محفوظ. وذكر له ابن عدي أحاديث فيها غرابة ، وليس هذا منها ، وقد روى عنه غير واحد من الثقات كشعبة وابن أبي ذئب وغيرهما ، فالرجل غير متفق على ضعفه كما ترى ، ـ وقال الحافظ في «التقريب» : لين الحديث ، ولحديثه شواهد بمعناه.
قال الترمذي : هذا حديث حسن غريب صحيح. وأخرجه الحاكم ٢ / ٥٣٢ : من طريق عبد الله بن يزيد المقرئ عن سعيد بن أبي أيوب به. وأخرجه الواحدي في «الوسيط» ٤ / ٥٤٢ من طريق شعبة عن يحيى به. وصححه الحاكم ، وقال الذهبي : يحيى هذا منكر الحديث قاله البخاري. قلت : أخذ الذهبي رحمهالله بالأشد ، فقد تفرد البخاري بجرحه ، في حين خالفه أبو حاتم فلينه ، وابن حبان والحاكم فوثقاه. وله شاهد من حديث أنس ، أخرجه البيهقي في «الشعب» ٧٢٩٦ لكنه من طريق رشدين بن سعد عن يحيى بن أبي سليمان ، ورشدين واه ، وهذا من أوهامه كونه عن أنس ، والمحفوظ عن سليمان عن سعيد عن أبي هريرة. فهذا شاهد لا يفرح به. وله شاهد من حديث ربيعة الجرشي ، أخرجه الطبراني ٤٥٩٦ ، وفيه ابن لهيعة ضعيف ، وربيعة مختلف في صحبته ، والجمهور على أن له صحبة. ويشهد لأصل معناه حديث مسلم ١٠١٣ والترمذي ٢٢٠٨ وابن حبان ٦٦٩٧ من حديث أبي هريرة ـ وقد ورد في تعليق ابن كثير رحمهالله السابق ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «تقيء الأرض ...» الحديث.