سورة فصّلت
مكية كلها بإجماعهم ، ويقال لها : سجدة المؤمن ، ويقال لها : المصابيح.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(حم (١) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٢) كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٣) بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (٤))
(وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنا عامِلُونَ (٥) قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (٦) الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (٧) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (٨))
قوله تعالى : (تَنْزِيلٌ) قال الفرّاء : يجوز أن يرتفع «تنزيل» ب (حم) ، ويجوز أن يرتفع بإضمار «هذا». وقال الزّجّاج : (تَنْزِيلٌ) مبتدأ ، وخبره (كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ) ، هذا مذهب البصريّين ، و (قُرْآناً) منصوب على الحال ، المعنى : بيّنت آياته في حال جمعه ، (لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) أي لمن يعلم. قوله تعالى : (فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ) يعني أهل مكّة (فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ) تكبّرا عنه ، (وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ) أي : في أغطية فلا نفقه قولك. وقد سبق بيان «الأكنّة» و«الوقر» في الأنعام (١). ومعنى الكلام : إنّا في ترك القبول منك بمنزلة من لا يسمع ولا يفهم ، (وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ) أي : حاجز في النّحلة والدّين. قال الأخفش : «ومن» هاهنا للتوكيد.
قوله تعالى : (فَاعْمَلْ) فيه قولان : أحدهما : اعمل في إبطال أمرنا إنّا عاملون على إبطال أمرك. والثاني : اعمل على دينك إنّا عاملون على ديننا. (قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) أي : لو لا الوحي لما دعوتكم. (فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ) أي : توجّهوا إليه بالطاعة. واستغفروه من الشّرك.
قوله تعالى : (الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ) فيه خمسة أقوال (٢) : أحدها : لا يشهدون أن «لا إله إلّا
__________________
(١) الأنعام : ٢٥.
(٢) قال الطبري رحمهالله في «التفسير» ١١ / ٨٦ : والصواب من القول في ذلك ما قاله الذين قالوا : معناه : لا يؤدون زكاة أموالهم ، وذلك أن ذلك هو الأشهر من معنى الزكاة.
ـ وقال ابن كثير رحمهالله في «تفسيره» ٤ / ١٠٩ : قال قتادة : يمنعون زكاة أموالهم. وهذا هو الظاهر عند كثير من المفسرين ، واختاره ابن جرير. وفيه نظر. لأن إيجاب الزكاة إنما كان في السنة الثانية من الهجرة إلى المدينة ، على ما ذكره غير واحد ، وهذه الآية مكية ، اللهم إلا أن يقال : لا يبعد أن يكون أصل الصدقة والزكاة