المفسّرون : لمّا نعت الله سبحانه وتعالى ما في الجنة ، عجب من ذلك أهل الكفر ، فذكّرهم صنعه ، فقال عزوجل : (أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ).
(١٥٢٨) وقال قتادة : ذكر الله ارتفاع سرر الجنة ، وفرشها ، فقالوا : كيف نصعدها ، فنزلت هذه الآية. قال العلماء : وإنما خصّ الإبل من غيرها لأنّ العرب لم يروا بهيمة قطّ أعظم منها ، ولم يشاهدوا الفيل إلّا الشّاذّ منهم ، ولأنها كانت أنفس أموالهم وأكثرها ، لا تفارقهم ولا يفارقونها ، فيلاحظون فيها العبر الدالّة على قدرة الخالق ، من إخراج لبنها من بين فرث ودم وعجيب خلقها ، وهي على عظمها مذلّلة للحمل الثقيل ، وتنقاد للصبي الصغير ، وليس في ذوات الأربع ما يحمل عليه وقره وهو بارك فيطيق النهوض به سواها. وقرأ ابن عباس ، وأبو عمران الجونيّ ، والأصمعيّ عن أبي عمرو «الإبل» بإسكان الباء وتخفيف اللام. وقرأ أبيّ بن كعب ، وعائشة ، وأبو المتوكّل ، والجحدريّ ، وابن السّميفع ، ويونس بن حبيب وهارون كلاهما عن أبي عمرو «الإبلّ» بكسر الباء ، وتشديد اللام. قال هارون : قال أبو عمرو «الإبلّ» بتشديد اللام : السّحاب الذي يحمل الماء.
قوله عزوجل : (كَيْفَ خُلِقَتْ) وقرأ عليّ بن أبي طالب ، وابن عباس ، وأبو العالية ، وأبو عمران ، وابن أبي عبلة «خلقت» بفتح الخاء ، وضمّ التاء. وكذلك قرءوا : «رفعت» و«نصبت» و«سطحت».
قوله عزوجل : (وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ) من الأرض حتى لا ينالها شيء بغير عمد (وَإِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ) على الأرض لا تزول ولا تتغير (وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ) أي : بسطت. والسّطح : بسط الشيء ، وكلّ ذلك يدلّ على خالقه (فَذَكِّرْ) أي : فعظ (إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ) أي : واعظ ، ولم يكن حينئذ أمر بغير التذكير ، ويدلّ عليه قوله عزوجل : (لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ) أي : بمسلّط ، فتقتلهم وتكرههم على الإيمان. ثم نسختها آية السيف. وقرأ أبو رزين ، وأبو عبد الرحمن ، وعكرمة ، ومجاهد ، وقتادة والحلوانيّ عن ابن عامر «بمسيطر» بالسين. وقد سبق بيان «المسيطر» في قوله عزوجل (أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ) (١).
قوله عزوجل : (إِلَّا مَنْ تَوَلَّى) هذا استثناء منقطع معناه : لكن من تولّى (وَكَفَرَ) بعد التذكير. وقرأ ابن عباس ، وعمرو بن العاص ، وأنس بن مالك ، وأبو مجلز ، وقتادة ، وسعيد بن جبير «ألا من تولّى» بفتح الهمزة وتخفيف اللام (فَيُعَذِّبُهُ اللهُ الْعَذابَ الْأَكْبَرَ) وهو أن يدخله جهنّم ، وذلك أنهم قد عذّبوا في الدنيا بالجوع ، والقتل ، والأسر ، فكان عذاب جهنّم هو الأكبر (إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ) وقرأ أبيّ بن كعب ، وعائشة ، وعبد الرحمن ، وأبو جعفر «إيّابهم» بتشديد الياء ، أي : رجوعهم ومصيرهم بعد الموت (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ) قال مقاتل : أي : جزاءهم.
____________________________________
(١٥٢٨) أخرجه الطبري ٣٧٠٤٣ عن قتادة قوله ، فهو ضعيف.
__________________
(١) الطور : ٣٧.