فَكَيْفَ كانَ عِقابِ (٥) وَكَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحابُ النَّارِ (٦))
قوله تعالى : (ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللهِ) أي : ما يخاصم فيها بالتّكذيب لها ودفعها بالباطل (إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا) وباقي الآية في آل عمران (١) ؛ والمعنى : إنّ عاقبة أمرهم إلى العذاب كعاقبة من قبلهم. قوله تعالى : (وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ) فيه قولان : أحدهما : ليقتلوه ، قاله ابن عباس ، وقتادة. والثاني : ليحبسوه ويعذّبوه ، ويقال للأسير : أخيذ ، حكاه ابن قتيبة. قال الأخفش : وإنما قال : «ليأخذوه» فجمع على الكلّ ، لأنّ الكلّ مذكّر ومعناه معنى الجماعة. وما بعد هذا مفسّر في الكهف (٢) إلى قوله تعالى : (فَأَخَذْتُهُمْ) أي : عاقبتهم وأهلكتم (فَكَيْفَ كانَ عِقابِ) استفهام تقرير لعقوبتهم الواقعة بهم (وَكَذلِكَ) أي : مثل الذي حقّ على الأمم المكذّبة (حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ) بالعذاب ، وهي قوله عزوجل : (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ) (٣) ، (عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا) من قومك. وقرأ نافع ، وابن عامر : «حقّت كلمات ربك» ، (أَنَّهُمْ) قال الأخفش : لأنهم أو بأنّهم (أَصْحابُ النَّارِ).
(الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (٧) رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٨) وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٩))
ثم أخبر بفضل المؤمنين فقال : (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ) وهم أربعة أملاك ، فإذا كان يوم القيامة جعلوا ثمانية (وَمَنْ حَوْلَهُ) قال وهب بن منبّه : حول العرش سبعون ألف صفّ من الملائكة يطوفون به ، ومن وراء هؤلاء مائة ألف صفّ من الملائكة ليس فيهم أحد إلّا وهو يسبّح بما لا يسبّحه الآخر. وقال غيره : الذين حول العرش هم الكروبيّون وهم سادة الملائكة. وقد ذكرنا في السّورة المتقدّمة معنى قوله تعالى : (يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ) (٤). قوله تعالى : (رَبَّنا) أي يقولون : ربّنا (وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً) قال الزّجّاج : هو منصوب على التّمييز. وقال غيره : المعنى : وسعت رحمتك وعلمك كلّ شيء (فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا) من الشّرك (وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ) وهو دين الإسلام. وما بعد هذا ظاهر إلى قوله عزوجل : (وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ) قال قتادة : يعني العذاب.
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنادَوْنَ لَمَقْتُ اللهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمانِ فَتَكْفُرُونَ (١٠) قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (١١) ذلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذا دُعِيَ اللهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (١٢))
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنادَوْنَ لَمَقْتُ اللهِ) قال المفسّرون (٥) : لمّا رأوا أعمالهم
__________________
(١) آل عمران : ١٩٦.
(٢) الكهف : ٥٦.
(٣) الأعراف : ١٨.
(٤) الزمر : ٧٥.
(٥) قال ابن كثير رحمهالله في «تفسيره» ٤ / ٨٧ : يقول تعالى مخبرا عن الكفار : أنهم ينادون يوم القيامة وهم في