الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ) (١). قوله عزوجل : (فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ) قال الزّجّاج : وذلك أنه يمتنع به ، ويحارب به (وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ) يستعملونه في أدواتهم ، وما ينتفعون به من آنية وغيرها. قوله عزوجل : (وَلِيَعْلَمَ اللهُ) هذا معطوف على قوله تعالى : (لِيَقُومَ النَّاسُ) ، والمعنى : ليتعامل الناس بالعدل وليعلم الله (مَنْ يَنْصُرُهُ) بالقتال في سبيله ، ونصرة دينه ، وذلك أنه أمر في الكتاب الذي أنزل بذلك. وقد سبق معنى قوله عزوجل : (وَلِيَعْلَمَ اللهُ) في مواضع. وقوله عزوجل : (بِالْغَيْبِ) أي : ولم ير الله ، ولا أحكام الآخرة ، وإنما يجهد ويثاب من أطاع بالغيب.
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (٢٦) ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِرُسُلِنا وَقَفَّيْنا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللهِ فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (٢٧))
قوله عزوجل : (وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ) يعني : الكتب (فَمِنْهُمْ) يعني : من الذّريّة (مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) فيه قولان : أحدهما : كافرون ، قاله ابن عباس. والثاني : عاصون ، قاله مقاتل. قوله عزوجل : (ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ) أي : أتبعنا على آثار نوح ، وإبراهيم ، وذرّيتهما (بِعِيسَى) وكان آخر أنبياء بني إسرائيل ، (وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ) يعني : الحواريين وغيرهم من أتباعه على دينه (رَأْفَةً) وقد سبق بيانها (٢) والمعنى أنهم كانوا متوادّين ، كما وصف الله تعالى أصحاب نبيّنا عليهالسلام ، فقال عزوجل : (رُحَماءُ بَيْنَهُمْ) (٣).
قوله عزوجل : (وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها) ليس هذا معطوفا على ما قبله ، وإنّما انتصب بفعل مضمر ، يدلّ عليه ما بعده ، تقديره : وابتدعوا رهبانيّة ابتدعوها ، أي : جاءوا بها من قبل أنفسهم ، وهي غلوّهم في العبادة ، وحمل المشاقّ على أنفسهم في الامتناع عن المطعم والمشرب والملبس والنّكاح ، والتعبّد في الجبال (ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ) أي : ما فرضناها عليهم.
وفي قوله عزوجل : (إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللهِ) قولان :
أحدهما : أنّ الاستثناء يرجع إلى قوله عزوجل : (ابْتَدَعُوها) والمعنى ابتدعوها طلبا لرضوان الله ، ولم يكتبها عليهم ، وهذا قول الجمهور. وتقديره : ما كتبناها عليهم إلا أنهم ابتدعوها ابتغاء رضوان الله ، ذكره علي بن عيسى والرماني عن قتادة وزيد بن أسلم.
والثاني : أنه راجع إلى قوله عزوجل : «ما كتبناها» ثم في معنى الكلام قولان : أحدهما : ما كتبناها عليهم بعد دخولهم فيها تطوّعا إلّا ابتغاء رضوان الله. قال الحسن : تطوّعا بابتداعها ثم كتبها الله عليهم. وقال الزّجّاج : لمّا ألزموا أنفسهم ذلك التّطوع لزمهم إتمامه ، كما أنّ الإنسان إذا جعل على نفسه صوما لم يفترض عليه ، لزمه أن يتمّه. قال القاضي أبو يعلى : والابتداع قد يكون بالقول ، وهو ما
__________________
(١) الزمر : ٦.
(٢) النور : ٢.
(٣) الفتح : ٢٩.