والمعنى : أيّ قوم هم؟! ماذا أعدّ لهم من العذاب؟!
قوله عزوجل : (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ) فيهم خمسة أقوال : أحدها : أنهم السابقون إلى الإيمان من كل أمّة ، قاله الحسن ، وقتادة. والثاني : أنهم الذين صلّوا إلى القبلتين ، قاله ابن سيرين. والثالث : أهل القرآن ، قاله كعب. والرابع : الأنبياء ، قاله محمّد بن كعب. والخامس : السّابقون إلى المساجد وإلى الخروج في سبيل الله ، قاله عثمان بن أبي سودة. وفي إعادة ذكرهم قولان : أحدهما : أنّ ذلك للتوكيد. والثاني : أنّ المعنى : السّابقون إلى طاعة الله تعالى هم السّابقون إلى رحمة الله ، ذكرهما الزّجّاج. قوله عزوجل : (أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ) قال أبو سليمان الدّمشقيّ : يعني عند الله في ظلّ عرشه وجواره.
(ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (١٣) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (١٤) عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (١٥) مُتَّكِئِينَ عَلَيْها مُتَقابِلِينَ (١٦) يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ (١٧) بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (١٨) لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ (١٩) وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (٢٠) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (٢١) وَحُورٌ عِينٌ (٢٢) كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (٢٣) جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٤) لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً (٢٥) إِلاَّ قِيلاً سَلاماً سَلاماً (٢٦))
قوله تعالى : (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (١٣)) الثّلّة : الجماعة غير محصورة العدد. وفي الأوّلين والآخرين هاهنا ثلاثة أقوال : أحدها : أنّ الأوّلين : الذين كانوا من زمن آدم إلى زمن نبيّنا صلىاللهعليهوسلم ، والآخرين : هذه الأمّة. والثاني : أنّ الأوّلين : أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، والآخرين : التّابعون. والثالث : أنّ الأوّلين والآخرين : من أصحاب نبيّنا محمّد صلىاللهعليهوسلم. فعلى الأول يكون المعنى : إنّ السّابقين جماعة من الأمم المتقدّمة الذين سبقوا بالتصديق لأنبيائهم من جاء بعدهم مؤمنا ، وقليل من أمّة محمّد صلىاللهعليهوسلم ، لأنّ الذين عاينوا الأنبياء أجمعين وصدّقوا بهم أكثر ممّن عاين نبيّنا وصدّق به. وعلى الثاني : أنّ السّابقين : جماعة من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وهم الأوّلون من المهاجرين والأنصار ، وقليل من التابعين وهم الذين اتّبعوهم بإحسان. وعلى الثالث : أنّ السّابقين : الأوّلون من المهاجرين والأنصار ، وقليل ممّن جاء بعدهم لعجز المتأخّرين أن يلحقوا الأوّلين ، فقليل منهم من يقاربهم في السّبق. وأمّا «الموضونة» ، فقال ابن قتيبة ؛ هي المنسوجة ، كأنّ بعضها أدخل في بعض ، أو نضّد بعضها على بعض ، ومنه قيل للدّرع : موضونة ، ومنه قيل : وضين النّاقة ، وهو بطان من سيور يدخل بعضه في بعض. قال الفرّاء : سمعت بعض العرب يقول : الآجرّ موضون بعضه على بعض ، أي : مسروح ، وللمفسّرين في معنى «موضونة» قولان : أحدهما : مرمولة بالذهب ؛ رواه مجاهد عن ابن عباس ، وقال عكرمة : مشبّكة بالدّرّ والياقوت ، وهذا معنى ما ذكرناه عن ابن قتيبة ، وبه قال الأكثرون. والثاني : مصفوفة ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس. وما بعد هذا ما تقدّم بيانه (١) إلى قوله : (وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ) الولدان : الغلمان. وقال الحسن البصري : هؤلاء أطفال لم يكن لهم حسنات فيجزون بها ، ولا سيّئات فيعاقبون عليها ، فوضعوا بهذا الموضع. وفي المخلّدين قولان : أحدهما : أنه من الخلد ، والمعنى : أنهم مخلّدون للبقاء لا يتغيّرون ، وهم على سنّ واحد. قال الفرّاء : والعرب تقول للإنسان إذا كبر ولم يشمط (٢) ، أو لم تذهب أسنانه عن
__________________
(١) الكهف : ٣٠.
(٢) في «القاموس» : الشّمط : الشيب.