وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ (٣٧) ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ (٣٨))
قوله تعالى : (فَلا تَهِنُوا) أي : فلا تضعفوا (وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ) قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، والكسائيّ ، وحفص عن عاصم : «إلى السّلم» بفتح السين ؛ وقرأ حمزة ، وأبو بكر عن عاصم : بكسر السين ، والمعنى : لا تدعوا الكفّار إلى الصّلح ابتداء. وفي هذا دلالة على أنه لا يجوز طلب الصّلح من المشركين ، ودلالة على أنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم لم يدخل مكّة صلحا ، لأنه نهاه عن الصّلح. قوله تعالى : (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ) أي : أنتم أعزّ منهم ، والحجّة لكم ، وآخر الأمر لكم وإن غلبوكم في بعض الأوقات (وَاللهُ مَعَكُمْ) بالعون والنّصرة (وَلَنْ يَتِرَكُمْ) قال ابن قتيبة : أي لن ينقصكم ولن يظلمكم ، يقال : وترتني حقّي ، أي : بخستنيه. قال المفسّرون : المعنى : لن ينقصكم من ثواب أعمالكم شيئا. قوله تعالى : (وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ) أي : لن يسألكموها كلّها.
قوله تعالى : (فَيُحْفِكُمْ) قال الفرّاء : يجهدكم. وقال ابن قتيبة : يلحّ عليكم بما يوجبه في أموالكم (تَبْخَلُوا) ، يقال : أحفاني بالمسألة وألحف : إذا ألحّ. وقال السّدّيّ : إن يسألكم جميع ما في أيديكم تبخلوا. (وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ) وقرأ سعد بن أبي وقّاص ، وابن عباس ، وابن يعمر : «ويخرج» بياء مرفوعة وفتح الراء «أضغانكم» بالرفع. وقرأ أبيّ بن كعب ، وأبو رزين ، وعكرمة ، وابن السّميفع ، وابن محيصن ، والجحدري : «وتخرج» بتاء مفتوحة ورفع الراء «أضغانكم» بالرفع. وقرأ ابن مسعود ، والوليد عن يعقوب : «ونخرج» بنون مرفوعة وكسر الراء «أضغانكم» بنصب النون ، أي : يظهر بغضكم وعداوتكم لله ولرسوله صلىاللهعليهوسلم ؛ ولكنه فرض عليكم يسيرا. وفيمن يضاف إليه هذا الإخراج وجهان : أحدهما : إلى الله عزوجل. والثاني : البخل ، حكاهما الفرّاء. وقد زعم قوم أنّ هذه الآية منسوخة بآية الزّكاة ، وليس بصحيح لأنّا قد بيّنّا أنّ معنى الآية : إن يسألكم جميع أموالكم ، والزّكاة لا تنافي ذلك.
قوله تعالى : (ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) يعني ما فرض عليكم في أموالكم (فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ) بما فرض عليه من الزّكاة (وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ) أي : على نفسه بما ينفعها في الآخرة (وَاللهُ الْغَنِيُ) عنكم وعن أموالكم (وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ) إليه وإلى ما عنده من الخير والرّحمة (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا) عن طاعته (يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ) أطوع له منكم (ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ) بل خيرا منكم. وفي هؤلاء القوم ثمانية أقوال :
أحدها : أنهم العجم ، قاله الحسن ، وفيه حديث يرويه أبو هريرة قال :
(١٢٧٤) لمّا نزلت : (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ) كان سلمان إلى جنب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ،
____________________________________
(١٢٧٤) عجزه صحيح ، وتأويل الآية بأهل فارس لا يصح ، فهو حديث ضعيف ، فيه مسلم بن خالد الزنجي ضعيف أخرجه البغوي في «شرح السنة» ٣٨٩٥. وأخرجه الطبري ٣١٤٤٣ وابن حبان ٧١٢٣ وأبو نعيم في «تاريخ أصبهان» ١ / ٣ من طرق عن ابن وهب ثنا مسلم بن خالد به. وأخرجه الطبري ٣١٤٤٢ و ٣١٤٤ وأبو نعيم ١ / ٢ و ٣ من طرق عن مسلم بن خالد به. وأخرجه الترمذي ٣٢٦١ وأبو نعيم ١ / ٣ والواحدي ٤ / ١٣١ من