أي أن هؤلاء الأبرار ، الذين أخذوا منازلهم فى الجنة ، واتكئوا على الأرائك المعدّة لهم ، وسرحوا بأبصارهم فى ألوان هذا النعيم الممدود بين أيديهم إنه يطاف عليهم بالرحيق ، وهو الشراب الخالص من كل كدر ، المبرأ من كل سوء ، وقد ختم بخاتم من المسك ، فإذا فضّ ختامه عبقت منه رائحة المسك ، فعطرت الجو من حوله ، فتنتعش النفوس لشرابه ، وتهشّ لاستقباله. (وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ) أي لمثل هذا فليعمل العاملون ، ويجد المجدون ، ويتنافس المتنافسون .. فهذا هو الذي ينبغى أن يطلب ، ويشتد الطلب عليه ، ويكثر التنافس فيه ، وأما ما سواه ، فهو هباء وقبض الريح.
قوله تعالى :
(وَمِزاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ* عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ)
أي أن هذا الرحيق الذي يسقى منه الأبرار فى الجنة ، والذي تعبق منه رائحة المسك ، هو ممزوج بتسنيم!!
وقد بين الله تعالى هذا التسنيم الذي يمزج بهذا الرحيق ، وهو عين من عيون الجنة ، لا يعلم كنهها إلا الله سبحانه وتعالى ، قد أعدها ـ جل شأنه ـ ليشرب منها عباد الله المقربون ، أي أهل القرب منه ، وأهل الكرامة عنده ..
وفى تعدية الفعل يشرب بالباء ، بدلا من حرف الجر «من» كما يقضى بذلك وضع اللغة ـ فى هذا إشارة إلى أن هذه العين هى شراب ، وأداة للشراب أيضا ، فهم يشربون بهذه العين من العين!! .. وقد أشرنا إلى هذا عند تفسير قوله تعالى : (عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً) (٦ : الإنسان)