فيه ، نحو الجهة التي يتوهم أن له سبيلا إليها ، وإن لم يكن ثمّة سبيل .. أما فى موقفه وقد أحاط به البلاء ، واشتملت عليه النار ، فإنه ليس ثمة إلا أن يمد يده إلى أقرب شىء يمكن أن يصل إليه ، ليقيم منه ستارا على جسده الذي تأكله النار ، وقد يكون هذا الشيء بعض أعضاء جسده هو ، كيده ، التي يدفع بها النار عن وجهه مثلا!! وأقرب شىء إلى الإنسان بعد أعضائه ، هم بنوه ، ثم صاحبته (زوجه) ثم .. ثم أسرته من أعمام ، وأبناء أعمام .. ثم أهل الأرض جميعا .. كل هؤلاء يتخذ منهم دروعا واقية له ، يرمى بهم فى وجه البلاء واحدا بعد واحد ، ولكن هيهات أن يجد من أىّ وقاية من هذا البلاء .. إنه مجرد أمل يراوده لو أمكنته الفرصة من تحقيقه ، ولكن ليس إلى ذلك من سبيل ..!
فهذا وجه من وجوه الإعجاز القرآنى ، الذي يستولى ببيانه على حقائق الأشياء ، وينفذ إلى أعماقها وخفاياها ، فإذا هى فى وجه صبح مشرق مبين!! .. (١)
قوله تعالى :
(وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ) ..
هو جواب «إذا» فى قوله تعالى : (فَإِذا جاءَتِ الصَّاخَّةُ) أي فإذا جاءت القيامة ، فأمر الناس مختلف ، فهم فريقان :
ـ (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ) أي مشرقة بالبهجة والمسرة ، تضحك استبشارا بما لاح لها من دلائل الفوز ، وما هبّ عليها من أنسام الرضوان والجنان ..
(وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ) أي عليها غبرة الكمد والحسد ، وسواد الكآبة والمذلة .. (تَرْهَقُها قَتَرَةٌ) .. أي يعلوها الشحوب ، ويعتصر ماءها
__________________
(١) انظر أيضا عرضنا لهذا الموضوع فى تفسيرنا لسورة المعارج.