وأمدّهم بكل ما هم فى حاجة إليه .. فملكهم بإحسانه وفضله ، قبل أن يملكهم بجبروته وقهره .. وفى ذكر الملك ، إشارة إلى أن الله سبحانه إنما يربّى ما يملك ، ويتصرف فيما هو له ..
فإذا قامت الألوهية على الناس بعد هذا بسلطانها ، لم يكن هذا السلطان سلطان قهر وجبريّة ، وإنما هو سلطان فضل وإحسان ، سلطان المالك فيما ملك.
وقد جاءت هذه الصفات الثلاث لله سبحانه على هذا الترتيب : الربوبية فالملك ، فالألوهية ، لتكشف عما لله سبحانه فى الناس من سلطان متمكن ، قائم على العدل والإحسان .. فهو سبحانه المربّى والمنشئ لهم .. وقد يربّى المربّى ، وينشّىء المنشئ ولا يملك ما ربّاه ونشّأه .. ولكن الله سبحانه ، هو المربى ، وهو المالك لما يربى .. ثم إنه قد يربى المربى ، ويملك ما يرّبيه ، ولكن لا يقوم له سلطان متمكن على ما يربيه ويملكه ، فقد يخرج عن يده لسبب أو لآخر .. ولكن الله سبحانه هو المربى والمالك لما يربى ، والإله القائم بسلطانه المطلق على ما ربّى وما ملك!
وفى تخصيص الناس بالاستعاذة منهم ، وفى جعل هذا فى سورة خاصة بهم تسمى سورة «الناس» ـ فى هذا إشارة إلى أن الناس ، من بين المخلوقات التي يعرفونها ، هم الذين يفعلون الشر ، بما ركب فيهم من إرادة عاملة ، قادرة على أن تتجه نحو الخير ، أو الشر ..
فكل مخلوق ـ فيما يرى الإنسان ويعلم ـ قائم على فطرة ، لا يتحول عنها ، ولا يأخذ طريقا غير طريقها الذي أقامها الله سبحانه وتعالى عليه.
ومن هنا ، ترى جميع المخلوقات ، التي تعايشنا على هذه الأرض تحكمها طبيعة واحدة ، فى كل جنس من أجناسها ، أو نوع من أنواعها