وجحش شقّه (١) ، وهذا من البلاء ، الذي يزيده الله به رفعة فى درجاته ، ونيل كرامته .. وأشد الناس بلاء الأنبياء ، فابتلوا من أممهم بما ابتلوا به ، من القتل والضرب ، والشتم ، والحبس .. فليس ببدع أن يبتلى النبي صلىاللهعليهوسلم من بعض أعدائه بنوع من السحر ، كما ابتلى بالذي رماه فشجّه ، وابتلى بالذي ألقى عليهالسلام السّلا (٢) وهو ساجد ، وغير ذلك ، فلا نقص عليهم ـ أي الأنبياء ـ ولا عار فى ذلك ، بل هذا من كمالهم وعلو درجاتهم عند الله
ثم يقول :
«وأما قولكم : إن سحر الأنبياء ينافى حماية الله لهم .. فإنه سبحانه كما يحميهم ويصونهم ، ويحفظهم ويتولاهم ، فإنه يبتليهم بما شاء من أذى الكفار ، ليستوجبوا كمال كرامته ، وليتأسّى بهم من بعدهم من أممهم وخلفائهم إذا أوذوا من الناس فرأوا ماجرى على الرسل والأنبياء ـ صبروا وتأسوا بهم ، ولتمتلئ صاع الكفار ، فيستوجبوا ما أعد لهم من النكال العاجل ، والعقوبة الآجلة ، فيمحقهم الله بسبب بغيهم وعدوانهم ، فيعجل تطهير الأرض منهم .. فهذا من بعض حكمته تعالى فى ابتلاء أنبيائه ورسله ، بإيذائهم من أقوامهم ، وله الحكمة البالغة ، والنعمة السابغة ، لا إله غيره ، ولا رب سواه».
وهذا ـ كما ترى ـ دفاع متهافت أيضا ، فإن ما يبتلى الله سبحانه أنبياءه به من صنوف الابتلاء من أقوامهم ، إنما هو فى عناد هؤلاء الأقوام ، وفى ضلالهم وتأبيهم على قبول الخير ، وهذا ما لا يمسّ الأنبياء شىء منه .. وأما ما عرض للرسول
__________________
(١) جحش شقه : أي انخدش جنبه ، وذلك فى غزوة أحد ، حين أحاط المشركون بالنبي.
(٢) السلا : ما يخرج من بطن الناقة ونحوها مع الولد عند ولادته.