والمستعيذ بالله اللّاجئ إلى حماه ، عن إيمان وثيق ، وعن معرفة تامة ، بما لله سبحانه وتعالى ، من علم ، وحكمة ، وقدرة ، وسلطان ـ يجد نفسه دائما فى هذا الحمى العزيز الذي لا ينال ، وتحت ظل هذا السلطان القوى الذي لا يغلب ، وأن هذه الشرور التي استعاذ بربه منها ، قد انصرفت عنه جملة ، أو خفّت وطأتها ، وذلك حين يعيد النظر فى هذه الشرور على ضوء هذه المشاعر الجديدة التي لقى بها ربه ، وفوض إليه فهيا أمره ـ فيرى كثيرا من هذه الشرور أوهاما وتخيلات ، كما يرى كثير منها أقرب إلى الخير منها إلى الشر ، ثم ما كان منها شرّا خالصا ـ فى تقديره ـ يصبح فى ظل التفويض لله ، والتسليم لحكمه ، مستساغ الطعم ، خفيف الحمل ، لما يرى من حسن المثوبة عند الله ، على ما أصابه ، وصبر عليه ، محتسبا عند الله أجره (١) ..
قوله تعالى :
(وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ).
فى لآية السابقة كانت الاستعاذة بالله ، استعاذة عامة من جميع الشرور التي ترد على الإنسان من المخلوقات كلها ..
وفى قوله تعالى : (وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ) ـ وما بعدها من الآيات إلى آخر السورة ، استعاذة من شرور بعض المخلوقات ، البادي شرها ..
فالليل حين يهجم على الكائنات ، ويحتوى الإنسان ، يثير فيه كثيرا من المخاوف ، التي تطل عليه من وراء هذا العالم المجهول ، المحجب بهذا الستار
__________________
(١) وقد عرضنا لهذا الموضوع فى مبحث خاص من كتابنا : «قضية الألوهية» ـ لجزء الثاني ، وفيه تفصيل لهذا الإجمال.