بالاستعاذة من هذا الشر ، هو أن يلقى الإنسان المخلوقات فى خيرها الخالص ، دون شرها، الذي يستعيذ بالله منه.
وقد يكون للإنسان ، أو الحيوان حيلة فى دفع بعض الشرّ ، فليحتل حيلته ، وليبذل وسعه ، ولكن هذا لا يمنع الإنسان العاقل من أن يجعل معاذه هو الله سبحانه ، كما أن معاذه بالله ، لا يحمله على تعطيل ملكانه وقواه ، فنلك وسائل أودعها الخالق جلّ وعلا فيه ، وهى داخلة فى الاستعاذة بالله ، واللّجأ إليه .. فما يملكه الإنسان من قدرات على دفع ما يدفع به من شرور ، ومكاره ، هى أسلحة من عند الله سلّحه بها ، فلا يعظلها ، وليذكر فضل المنعم بها عليه ، فإنها عند المؤمن استعاذة بالله.
وليس الشرّ المستعاذ بالله منه ، هو شرّ فى ذاته ، لأن الله سبحانه ما خلق شرّا ، وإنما هو شرّ إضافىّ ، أو نسبىّ ، وذلك بالإضافة إلى من وقع عليه ، والذي يعدّه شرّا بالنسبة له هو ، ولكنه فى النظام العام للوجود ، هو خير مطلق ، كما قلنا.
وأما الشر المستعاذ به ، فهو شر يقع من احتكاك الموجودات بعضها ببعض ، أشبه بالشرر المتطاير من احتكاك الزناد بالصّوان ، بل هو أشبه بآلام المخاض لميلاد حياة متجددة فى الحياة!
فالإنسان فى ذاته يشعر بآلام المرض ، والجوع ، ويجد لذعة الحرمان والفقر ، ومرارة فقد الأحباب والأعزاء ، وخيبة الآمال ، وضياع الفرص ـ إلى غير ذلك مما يساء به الإنسان ، ويألم منه ، ويعده شرا مقيسا بمقياس ذاته. مضبوطا على تلقيات مشاعره له ، وإحساسه به .. وهذا كله غير منكور ، ومن حقّ الإنسان أن يلجأ إلى حمى ربه ، وأن يستعيذ به ، وأن يطلب منه اللطف والعافية ..