فإن هذا الشقي كان من أسفه السفهاء على النبي ، وأشدهم عدوانا عليه ، وأكثرهم أذى له، حتى إنه ـ وعلى غير تقاليد الجاهلية ـ يدخل معه امرأته فى هذه العداوة ، ويجرها جرّا إلى تلك المعركة التي يخوضها ضد النبىّ ، ولهذا كان لرجل الوحيد من قريش الذي ذكره القرآن باسمه ، وأعلن فى العالمين عداوته لله ، وغضب الله عليه ، ووقوع بأسه وعذابه به ، وذلك ليكون لعنة على كل لسان إلى يوم الدين ، لا يذكر اسمه إلا ذكر مدموغا باللعنة ، مرجوما بالشماتة والازدراء ، تتبعه امرأته مشدودة إليه بحبل من مسد ، كما كانت مشدودة إليه فى الدنيا بحبل عداوتهما للنبى ، وحسدهما له ..
وقوله تعالى :
(تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ).
التب : القطع للشىء .. وهو كالبت .. ولفظه يدل على القطع والحسم ، ويحكى الصوت الذي يحدث عند فصل الشيء عن الشيء ..
والمفسرون مجمعون على أن هذا دعاء على أبى لهب من الله سبحانه وتعالى ، بقطع يديه ، أي قطع القوى العاملة فيه ، الممكّنة له من الشر والعدوان ، وهما يداه اللتان يبطش بهما ، إذ كان اليد دائما هى مظهر آثار الإنسان ، بها يأخذ ، وبها يعطى .. فإذا ذهبت اليد اليمنى ، قامت اليسرى مقامها ، فإذا ذهبت اليدان أصبح الإنسان معطل الحركة ، عاجزا عن أن يحصّل خيرا ، أو يتناول خيرا ، أشبه بالطائر الذي فقد جناحيه ، إنه هالك لا محالة ، ولهذا جاء بعد ذلك قوله تعالى : «وتب» أي هلك هو ، بعد أن قطعت يداه ..
والرأى عندنا ـ والله أعلم ـ أن هذا الخبر على حقيقته ، وأنه خبر مطلق ، لم يخرج عن حقيقته إلى الدعاء .. فأبو لهب قد وقع عليه الهلاك فعلا ، وحل به البلاء منذ اتخذ من النبي ، ومن الدعوة الإسلامية ، هذا الموقف الأثيم الضال ..