وهذا من ضلال القوم وسفه أحلامهم ، وسوء معتقدهم .. فإن الحق كلّ لا يتجزأ ، ولا يتبعّض .. فإما أن يكون ما يعبدون حقا ، وإذن فإنّ خلطه بشىء دخيل عليه يغيّر من صورته ، ويفسد حقيقته ، فلا يكون حقا ، ولا يكون باطلا ، وإنما هو حق وباطل معا .. وإما أن يكون باطلا ، وإذن فلم يمسكون به ، ويحرصون عليه؟ .. وإن فى تفريطهم فى معتقدهم على هذا الوجه لدليلا على أنه معتقد فاسد ، وأنهم هم أنفسهم لا يجدون فيه ما يقيمهم منه على يقين به ، واطمئنان إليه ، وأنه من السهل الميسور عندهم أن يبيعوه بالثمن البخس لأول عارض يعرض لهم.
فالمخاطبون من قريش هنا هم الكافرون الذين حكم عليهم بالكفر حكما مؤبّدا ، وأنهم لن يؤمنوا أبدا ، ولهذا أخذوا هذا الوضع فى سورة خاصة بهم ..
قوله تعالى :
(قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ* لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ* وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) ..
الكافرون هنا ، هم المشركون من قريش ..
وقوله تعالى : (لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ) أي أنا لا أعبد المعبودات التي تعبدونها. إن لى معبودا لا أعبد سواه ..
وقوله تعالى : (وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) أي وأنتم لا تعبدون الإله الذي أعبده أنا .. إن لكم آلهة تعبدونها ، غير الإله الذي أعبده ..
فهناك إذن اختلاف بعيد بينى وبينكم ، فى ذات المعبود الذي أعبده ، وذوات المعبودات التي تعبدونها. هذا هو حالى وحالكم الآن .. وهذا هو الحكم فيما أعبد ، وفيما تعبدون .. وتلك حقيقة لا خلاف بيننا عليها .. أنا لا أعبد