وقوله تعالى :
(إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ).
هو المقسم عليه ، وهو جواب القسم ..
والإنسان فى خسر ، أي فى ضلال ، لأنه لم يعرف قدره ، ولم يرتفع بإنسانيته إلى المقام الذي أهّله الله سبحانه وتعالى له .. فلقد خلق الله سبحانه الإنسان فى أحسن تقويم ، ولكن الإنسان لم يلتفت إلى هذا الخلق ، ولم يقدره قدره ، ولم يأخذ الطريق الذي يدعو إليه العقل ، بل انقاد لشهواته ، واستخف بإنسانيته ، وتحول إلى عالم البهيمة ، يأكل ويتمتع كما تأكل الأنعام ..
ذلك هو شأن الإنسان فى معظم أفراده وأحواله .. وقليل هم أولئك الذين عرفوا قدر إنسانيتهم ، وما أودع الله سبحانه وتعالى فيهم من قوى قادرة على أن ترتفع بهم إلى الملأ الأعلى ، لو أنهم أحسنوا استعمالها ، وهؤلاء هم الذين استثناهم الله سبحانه وتعالى بقوله :
(إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ).
فهؤلاء هم الإنسان الكريم عند الله ، الذي يلقاه ربه بالرضا والرضوان .. إنهم هم الذين آمنوا بالله ، وعرفوا ما لله سبحانه وتعالى ، من كمال وجلال .. فاستمسكوا بالحق ، وهو الإيمان ، وما يدعو إليه ، وما ينهى عنه .. ثم تواصوا به فيما بينهم ، فنصح بعضهم لبعض بالاستقامة عليه ، والتمسك به ، وفى هذا ما يقوّى من جبهة الحق ، ويكثّر من أتباعه.
وفى قوله تعالى : (وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ) ـ إشارة إلى أن طريق الإيمان ، والاستقامة على شريعته ليس أمرا هينا ، فإن ذلك إنما يحتاج إلى معاناة وصبر على مغالبة الشهوات ، وقهر دواعى الأهواء ، ووساوس الشيطان .. فطريق الحق طريق محفوف بالمكاره ، والصبر هو زاد الذين يسلكون طريقه ، ويبلغون به غايات الفوز والفلاح ..