وإن هذا التدبير لجدير أن يكون من تدبير المؤمنين فى لقاء العدوّ ، فيلقون عدوّهم بالعدد ، والعدد ، وبالتدبير والمكيدة.
وبهذا يكتب لهم الغلب ، ويتحقق لهم النصر.
قوله تعالى : (ضَبْحاً ، وقَدْحاً ، وصُبْحاً) منصوبة على الحال من العاديات .. بمعنى ضابحة ، وقادحة ، ومصبحة العدوّ ..
قوله تعالى :
(فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً* فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً).
هو إلفات إلى موقف الخيل ، وقد دخلت ميدان القتال ، إنها تثير فيه النقع ، أي الغبار بحركاتها ، وتنقّل فرسانها عليها ، بين كرّ وفرّ ، ومحاورة ومداورة ، انتهازا للفرصة التي تمكّن من العدو ، وتصيبه فى مقاتله.
والضمير فى «به» يعود إلى ميدان القتال المفهوم من مسيرة هذه الخيل العادية .. إنها الخيل تعدو إلى جهاد فى سبيل الله ، وليست الخيل التي تعدو للصيد واللهو ، ونحو هذا.
قوله تعالى : (فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً) .. إشارة إلى أنها وإن جاءت فرادى ، وهى متجهة إلى ميدان القتال ، فإنها لا تشتبك مع العدوّ فى الحرب إلا مجتمعة ، حيث يضرب المغيرون عليها عدوّهم بيد مجتمعة قوية متمكنة.
وفى قوله تعالى : (فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً) إشارة أخرى إلى أنّ هذه الخيل إنما تدخل المعمعة بفرسانها ، وتهجم على قلب العدوّ ، وتدخل فى كيانه ، لا أنها تخطف الخطفة من بعد ، دون أن تلتحم بالعدوّ ، وتختلط به ، وفى العطف بالفاء فى قوله تعالى : (فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً* فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً) ـ فى هذا ما يشعر بأن هذين الفعلين من أفعال الخيل العاديات ، وأنهما داخلان فى حيّز القسم بها ، والتقدير : والعاديات ضبحا ، فالموريات قدحا ، فالمغيرات صبحا ، فالمثيرات به نقعا ، فالمتوسطات به جمعا.