الإنسان وهو يلهث أثناء الجري .. وسمى ضبحا حكاية لصوت الخيل الذي يشبه صوت هذا اللفظ عند النطق به «ضبح».
والمقسم به هنا ، هو الخيل ، فى حال عدوها ، حاملة فرسانها إلى ميدان القتال .. فهى تعدو ضابحة ، وهى فى عدوها تورى نارا تنقدح من احتكاك حوافرها بالحجارة التي تعدو عليها ..
وفى هذا ما يشير إلى أنها تسير تحت جنح الظلام بفرسانها حتى لا تراها عين العدوّ ، وحتى لا ينذر بها هذا العدوّ ، ويأخذ حذره من المفاجأة حين تطلع عليه على غير انتظار ، ولهذا يظهر هذا الشرر الذي ينقدح من احتكاك حوافرها بالصوّان .. كما يقول الشاعر فى وصف سيوف الأبطال فى الحرب :
تقدّ السلوقىّ المضاعف نسجه |
|
وتوقد بالصّفاح نار الحباحب (١) |
فإذا بلغت الخيل المكان الذي تشرف به على عدوّها ، أمسكت عن السير ، حتى تهجم عليه وتبغته على حين غفلة منه ، مع مطلع الصبح ، قبل أن يدبّ دبيب الحياة فى الأحياء.
فهذه ثلاثة أقسام بالحيل فى مسيرتها نحو الحرب .. فأقسم بها سبحانه ، وهى فى أول طريقها إلى القتال ، ثم أقسم بها ، وهى تكيد العدو ، فتسير إليه ليلا ، وتستخفى نهارا ، ثم أقسم بها ، وهى تلقى العدوّ بغتة مع أول النهار.
وفى هذا تعظيم لمسيرة هذه الخيل فى كل حال من أحوالها ، وإنها لجدير بها أن تكون خيل المؤمنين ، التي تسير هذه المسيرة المباركة للجهاد فى سبيل الله ،
__________________
(١) السلوقي : الدرع السابغة ، نسبة إلى سلوق ، بلدة باليمن. الصفاح : الحجارة ، والحباحب. قيل إنه نوع من الحشرات إذا طار بالليل وتلامست أجنحته بعضها ببعض ، ندّ عن ضوء أشبه بالشرر.