لا ينكره إلا مكابر ، ولا يكفر به إلا من ختم الله على قلبه وسمعه ، وجعل على بصره غشاوة ، ومن هنا كانوا شرّ البريّة على الإطلاق ، كما كان المؤمنون بشريعة الإسلام خير البرية على الإطلاق كذلك.
وثانى الأمرين : هو أن وعيد الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين بالخلود فى النّار ـ لم يقيّد بلفظ التأبيد «أبدا» بل جاء مطلقا هكذا : (خالِدِينَ فِيها) على حين جاء وعد الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالخلود فى الجنة مؤبدا .. هكذا (خالِدِينَ فِيها أَبَداً).
فما تأويل هذا؟
نقول ـ والله أعلم ـ إن تأبيد الخلود فى الجنة ، هو أمر عام لكل من أكرمه الله بدخول الجنة ، وأخذ مكانه فيها ، ونزل منزله منها .. فإنه لا يتحول أبدا عن هذا المنزل ، وإن كان ثمة تحول فهو إلى منزل آخر فى الجنة ، أعلى من منزله الذي هو فيه .. فخلود أهل الجنة فى الجنة ، خلود مؤبد لكل من دخلها .. أما أهل النار .. فإن كثيرا ممن يدخلها من عصاة المؤمنين ، لا يخلدون فيها ، بل يتحولون عنها إلى الجنة ، بعد أن ينالوا جزاءهم من العذاب فى النار ، وأما الذين يخلدون فى النار فهم أهل الكفر ، وحسبهم من العذاب أن يكون خالدا ، أي طويلا ممتدّا إلى ما شاء الله .. فمعنى الخلود هنا هو امتداد الزمن وطوله ، كما يفهم من قوله تعالى : (يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ) أي يخلده ، ويمد له فى عمره زمنا طويلا ..
ثم إن هؤلاء الخالدين فى النار ، هم بعد ذلك إلى مشيئة الله ، فى تأييد هذا الخلود أو توقيته ، وهذا ما يفهم من قوله تعالى فى أصحاب النار : (فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ ، خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) وقوله تعالى بعد ذلك فى أصحاب