ومعنى الانفكاك فى قوله تعالى : «منفكّين» هو حلّ تلك الرابطة الوثيقة التي جمعت بينهم جميعا على الكفر والضلال.
فالذين كفروا من أهل الكتاب والمشركون ، على سواء فى الضلال ، وفى البعد عن مواقع الحق .. فهم وإن اختلفوا دينا ومعتقدا ، وجنسا وموطنا ـ على سواء فى الضلال وفساد المعتقد ، وهم لهذا كيان واحد ، وقبيل واحد ، ينتسبون إلى أب واحد ، هو الكفر والضلال.
أما الكافرون من أهل الكتاب ، فقد كان كفرهم بما غيّروا ، وبدّلوا من شرع الله ، وبما تأوّلوا من كتب الله التي بين أيديهم ، فحرّفوا الكلم عن مواضعه ، وقالوا عن الله سبحانه ما لم يقله.
وأما المشركون ، فقد اغتال جهلهم وضلالهم كل معانى الحق ، التي تركها فيهم أنبياؤهم الأولون ، كهود ، وصالح ، وإبراهيم ، وإسماعيل ، عليهمالسلام .. فانتهى بهم الأمر إلى الشرك بالله ، وعبادة الأصنام من دون الله.
ومجمل معنى الآية الكريمة : أن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركون لن تنحلّ منهم هذه الرابطة الوثيقة التي جمعت بينهم على الكفر والضلال ، حتى تأتيهم البينة .. فإذا أتتهم البينة تقطع ما بينهم ، وانحلت وحدتهم ، وأخذ كلّ الطريق الذي يختاره ..
و«البينة» هى ما أشار إليها قوله تعالى : (رَسُولٌ مِنَ اللهِ يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً) فالرسول صلوات الله وسلامه عليه ـ هو «البينة» ، أي البيان المبين ، الذي يبين طريق الحقّ بما يتلو من آيات الله على الناس ..
وفى جعل الرسول هو البينة ـ مع أن البينة هى آيات الله ـ إشارة إلى أن الرسول الكريم ، هو فى ذاته بينة ، وهو آية من آيات الله ، فى كماله ، وأدبه ، وعظمة خلقه ، حتى لقد كان كثير من المشركين يلقون النبي لأول مرة فيؤمنون