إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ).
هو جواب القسم ، وهو المقسم عليه ، لتوكيده ، وتقريره بالقسم.
وفى توكيد هذا الخبر ، وهو خلق الإنسان فى أحسن تقويم ـ إشارة إلى كثير ممن تشهد عليهم أفعالهم بأنهم ينكرون خلقهم القويم هذا ، ولا يعرفون قدره فينزلون إلى مرتبة الحيوان ، ويسلمون قياد وجودهم إلى شهواتهم البهيمية ، غير ملتفتين إلى ما أودع الخالق فيهم من عقل حمل أمانة أبت السموات والأرض والجبال أن يحملنها وأشفقن منها ، فضيع الإنسان هذه الأمانة ، ولا كها فى فمه كما تلوك البهيمة العشب .. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى :
(ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ) .. فلقد ردّ الإنسان بهذه الغفلة عن وجوده الحقيقي ، إلى الوراء ، منكّسا فى خلقه ، حتى بلغ أدنى مراتب الحيوانية ، وصار وراء الحيوان الأعجم الذي تسيره طبيعته التي ركبت فيه ، على خلاف هذا الإنسان الذي غيّر فطرته ، وانتقل من عالم الإنسان إلى عالم الحيوان ، فلم يصبح حيوانا ، ولم يعد إنسانا!
يقول الأستاذ الإمام محمد عبده عن الإنسان وخلقه فى أحسن تقويم ، ورده إلى أسفل سافلين : «وما أشبهه ـ أي الإنسان ـ فى حاله الأولى ـ بثمرة التين ، تؤكل كلها ، لا يرمى منها شىء .. والإنسان ـ أي فى حاله الأولى – كان صلاحا كله ، لم يشذّ عن الجماعة منه فرد ، تلك كانت أيام القناعة بما تيسر له من العيش ، وشدة الإحساس بحاجة كل فرد إلى الآخر فى تحصيله ، وفى دفع العوادي عن النفس .. تنّبهت الشهوات بعد ذلك وتخالفت الرغبات ، فنبت الحسد والحقد ، وتبعه التقاطع ، واستشرى الفساد بالأنفس ، حتى صارت الأمانة عند بعض الحيوان ، أفضل منها عند الإنسان ، فانحطت بذلك نفسه عن مقامها الذي كان لها بمقتضى الفطرة ، وقد كان ذلك ـ ولا يزال ـ حال أكثر