يقول الأستاذ الإمام محمد عبده : «وليس فى نسق السورة ما يشير إلى أن المشركين أو غير هم بغرض من الخطاب .. ومن أين كان للمشركين أن يعلموا فترة الوحى ، فيقولوا أو يطعنوا ، ولكن ذلك كان شوق النبي ـ صلىاللهعليهوسلم إلى مثل ما رأى وما فهم عن الله ، وما ذاق من حلاوة الاتصال بوحيه .. وكل شوق يصحبه قلق ، وكل قلق يشوبه خوف» .. وهذا ما نقول به ، ونرضى عنه .. وقد ورد أن النبي صلىاللهعليهوسلم سأل جبريل ، لم لا يداوم الاتصال به ويكثر من الوحى إليه ، فنزل قوله تعالى : (وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ ..) (٦٤ : مريم)
وقوله تعالى : (ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى)
هو المقسم عليه ، وهو أن الله سبحانه لم يودع النبي ، وداعا لا لقاء بعده ، بل إن الله معه ، فى كل لحظة من لحظات حياته ، ومع كل نفس من أنفاس صدره. وأن انقطاع الوحى فى تلك الفترة لم يكن عن قلى وهجر من الله سبحانه وتعالى له ، فهو الحبيب إلى ربه ، المجتبى إليه من خلقه ..
وفى توكيد الخبر بالقسم ، مزيد من فضل الله ورحمته ، للنبى الكريم ، ورفع لمنزلة النبىّ عند ربّه ، حتى لينزل منزلة الحبيب من حبيبه.
وقوله تعالى :
. (وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى)
الآخرة ، خاتمة أمر النبي مع النبوة ، والأولى ، مبدأ أمره معها ..
أي أن آخرة أمر النبي مع رسالته ، خير من أولها .. فإذا بدأت رسالته بهذا العناء المتصل ، الذي واجهه من عناد قومه ، ومن تأتيهم عليه ، وتكذيبهم له ، وملا حقته هو والمؤمنون معه بالأذى ، والضر ، وبالحرب والقتال ـ فإن خاتمة هذه الرسالة ستكون نصرا مؤزّرا له ، وفتحا عظيما الدعوة ، وخزيا وإذ لا لا للضالين المعاندين ..