فالإنسان ـ فيما يرى نفسه ـ مطلق المشيئة ، وإن كان مقيدا ، حرّ الإرادة ، وإن كان مجبرا ..
وقوله تعالى :
(وَإِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولى) ..
للمفسرون مجمعون على أن الآخرة ، هى الحياة الآخرة ، وأن الأولى هى الحياة الدنيا ..
والرأى عندنا ـ والله أعلم ـ أن الآخرة والأولى ، هما اليسرى والعسرى ، اللتان أشار إليهما سبحانه وتعالى فى الآيات السابقة .. وفى ذلك إشارة إلى أن اختيار الإنسان لليسرى أو العسرى ، وإن بدا أنه اختيار مطلق ، هو مقيد بمشيئة الله ، محكوم بإرادته ، إذ كلّ مردّه إلى الله ، فى واقع الأمر ، وكلّ صائر إلى حكمه ، وما قضى به فى عباده : (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) (٢٩ : التكوير) .. ربّ العالمين (مَنْ يَشَأِ اللهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (٣٩ : الأنعام) ..
وقوله تعالى :
(فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى* لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى* الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى) ..
وهذا مما أشار إليه سبحانه وتعالى فى قوله : (إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى) .. ومن هذا الهدى ما أنذر الله به عباده ، على يد رسله ، من عذاب أليم فى الآخرة ، لمن رأى الضلال ، وسلك مسالكه ، ورأى الهدى ، فحاد عنه ، وصرف نفسه عن طريقه ..