الجسدية التي تخلّفها الآثام ، وما أكثر العلل والأوجاع التي يرثها أولئك الذين يزرعون الشر ، ويستكثرون منه!
هذا ، وللإنسان ـ كل إنسان ، حتى أكثر الناس جرأة على الشر ومقارفة له ـ لحظات يصحو فيها من غفلته ، ويفيق فيها من سكرته ، ويتنبه من ذهوله ، وعندها يجد بين يديه هذا الحصاد المشئوم ، الذي تنبعث منه روائح كريهة عفنة ، حتى لتكاد تخنق أنفاسه ، وتزهق روحه!
وكم لأهل الضلال ، ومقتر فى الآثام من ساعات ، يحترقون فيها بنار الندم والحسرة ، ويتقلبون فيها على جحيم التقريع واللوم ، ولكن بعد فوات الأوان ، وإفلات الفرصة .. وأىّ عزاء يعزّى به نفسه رجل كأبى نواس مثلا ، حين يذهب شبابه ، وتموت نوازعه وشهواته ، ثم يتلفت فيجد بين يديه أشباح آثامه وفجوره ، تتراقص من حوله ، بوجوهها الكالحة ، وأنيابها المكثرة ، ومخالبها الحادة ، وكأنها الحيات تطل من أجحارها ، وتهجم عليه من كل جانب؟
ولقد نهزت مع الغواة بدلوهم |
|
وأسمت سرح اللهو حيث أساموا |
وبلغت ما بلغ امرؤ بشبابه |
|
فإذا عصارة كل ذاك أثام! |
هكذا يلقى أبو نواس نفسه فى صحوة الموت ، وقد بلغت الروح الحلقوم!! وأي حسرة وأي ألم فاضت بهما نفس رجل كالحجاج ، وقد قام على منبر سلطانه فى العراق ، يرمى الناس بالصواعق من كلماته ، فتنخلع منها القلوب ، وتضطرب النفوس ، ويشهر سيفه بيد هذا السلطان المطلق ، ويقول : «إنى لأرى رؤسا قد أينعت وحان قطافها ، وإنى لصاحبها ، وكأنى أنظر إلى الدماء بين العمائم وللحى ..» ثم ينفذ هذا الوعيد ، فيقطع رءوسا بريئة ، وبريق