لمسيرة الفطرة السليمة ، والعقل الصحيح. ومن هنا لا تجد النفوس السويّة حرجا ، ولا ضيقا ، فى التزامها حدود الشريعة والوفاء بها .. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى : (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (٧٨ : الحج)
فمعنى قوله تعالى : (وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ) أي عرّفناه وجهى الخير والشر ، وأعطيناه الميزان الذي يزنهما به ، ويضع كلّا منهما موضعه الذي هو له .. وكما يشير النجدان إلى أن كلّا من الخير والشر بالمكان البارز الذي لا يخفى وجهه ولا تخطىء الأنظار الاستدلال عليه ـ كذلك يشيران إلى أن الاتجاه إلى أي منهما ، وأخذ الطريق إليه ، هو مرتقى صعب ، يحتاج إلى جهد ومعاناة!
فالذى يتجه إلى الخير ، ويحمل نفسه على معايشته ، إنما يغالب أهواء جامحة ، ويدافع شهوات معربدة .. وفى الحديث : «حفّت الجنة بالمكاره» .. ولهذا كان الصبر من عدّة المؤمنين ، ومن زادهم على طريق الحق والخير .. فمن لم يرزق الصبر ، لم يقو على السير فى طريق الهدى والإيمان .. (إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ، وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ ، وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ) (٢ ـ ٣ : العصر) .. (وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) (٣٥ : فصلت)
والشرّ ، وإن بدا فى ظاهر الأمر أنه أخفّ محملا ، وأيسر سبيلا ، لأن مسيرته متجهة مع أهواء النفس ، مندفعة مع تيار الشهوات ـ إلا أنه فى واقع الأمر على خلاف الظاهر ، فليس محمل الشر خفيفا ، ولا طريقه سهلا معبّدا .. فما أكثر المزالق والعثرات التي يلقاها الأشرار فى طريقهم ، وما أكثر الآلام التي تتولد من اقتراف الآثام ، وإشباع الشهوات .. وإن اللذة العارضة لشهوة من الشهوات ، أو إثم من الآثام ، لتعقبها دائما آلام مبرّحة ، وأوجاع قاتلة ، إن لم يكن ذلك فى يومها ، ففى غد قريب أو بعيد .. فما أكثر العلل