إليه .. فالاطمئنان الذي تصيبه بعض النفوس ، ويكون صفة غالبة عليها ، هو ثمرة الإيمان الوثيق بالله ، القائم على أصول ثابتة من المعرفة بالله سبحانه وتعالى ، وما له جل شأنه من سلطان مطلق متمكن ، قائم على كل ذرة فى هذا الوجود ، وأنه لا يقع فى هذا الوجود شىء إلا بتقديره سبحانه ، وبمقتضى حكمته وعلمه ، وعدله.
وقد نودى الإنسان هنا بنفسه ولم يناد بذاته ، لأن النفس هى جوهره السماوي ، وهى التي كانت موطن الإيمان والاطمئنان .. وهى لهذا استحقت أن ترجع إلى ربها ، وأن تنزل منازل رضوانه ، إذ لم تغرق فى تراب الأرض ، ولم تضع معالمها فيه ، كما ضاعت نفوس الضالين والغاوين ..
وقوله تعالى : (راضِيَةً مَرْضِيَّةً) أي راضية بما أرضاها الله سبحانه به من فضله ، مرضيّا عنها من ربها .. فالكلمتان حالان من أحوال النفس ، وقد دعيت من ربها إلى الرجوع إليه .. إنها ترجع إلى ربها ، وقد رضيت بما لقيها به ربّها من إكرام وإحسان ، وقد رضى ربها عنها بما قدمت من أعمال طيبة .. فالله سبحانه وتعالى يرضى ويرضى ، يرضى عن عباده المحسنين ، ويرضيهم بإحسانه ، كما يقول سبحانه : (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً) .. وفى الجمع بين صفة الرضا للنفس ، والرضا من الله عنها ـ إشارة الى أن هذا الرضا الذي تجده النفس هو رضا دائم متصل ، لأنه مستمد من رضا الله عنها ، وأنه ليس مجرد شعور يطرقها ، أو خاطر يطوف بها ، ثم يذهب هذا الشعور ، ويغيب هذا الخاطر ، مع موجات الخواطر ، والمشاعر التي تموج فى كيان الإنسان ..!! كلا إنه رضا لا ينقطع أبدا ..