تحتاج لقهرها إلى رصيد عظيم من العزم ، وقوة الإرادة ـ فإن الامتحان بالفقر والشدة ، يضع الإنسان أمام عدوّ يريد أن نزعزع إيمانه ، ويغتال صبره لحكم ربه ، ورضاه بما قضى الله فيه.
قوله تعالى :
(كَلَّا بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ ، وَلا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ ، وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ أَكْلاً لَمًّا ، وَتُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا).
هو رد على ما يقوم فى نفوس كثير من الناس من تلك المفاهيم الخاطئة فيما يبتليهم الله سبحانه وتعالى به ، من غنى أو فقر ، فليست التوسعة فى الرزق ، بالتي تعطى العبد حجة بأنه من المكرمين عند الله ، وليس التضييق فى الرزق ، بالذي يدلّ على إهانة الله سبحانه لمن قدر عليه رزقه .. إن هذا وذاك ، امتحان وابتلاء ، وليس كما يظن الجاهلون بأن الله إنما يرزق الناس فى الدنيا بحسب مكانتهم عنده ، فيوسّع على أوليائه ، ويضيّق على أعدائه ، وأن هؤلاء الذين أفقرهم الله ، لو كانوا من المكرمين عنده لما ضيق عليهم فى الرزق ، ولما وضعهم بموضع الحاجة إلى الأغنياء ، وهذا ما يشير إليه سبحانه وتعالى فى فضح منطقهم الفاسد ، إذ يقول سبحانه على لسانهم : (أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ أَطْعَمَهُ)؟ (٤٧ : يس) ..
وكلا .. فإن هذا منطق ضالّ ، ورأى فاسد سقيم!! ولقد أحالهم هذا الفهم الضال إلى حيوانات ، لا تعرف غير ما تملأ به بطنها من طعام ، فلقد جفّت فيهم عواطف الإنسانية ، وانتزعت من قلوبهم مشاعر الرحمة .. فلم يكرموا اليتيم ، كما أكرمهم الله ، ولم يحسنوا إلى الفقير ، كما أحسن الله إليهم. بل اغتالوا حق اليتيم ، ولم يمدّوا أيديهم بإحسان إلى مسكين ، وأكلوا ما يرثون