فى إبداع هذه الذات وتصويرها .. فإنه لو نظر بهذا العقل إلى هذا الذي يوجّه إليه من حقائق ، لعرف طريق الحق ، وسلك مسالك الهدى.
فمن أين خلق هذا الإنسان ، ذو العقل والبصر؟ خلق من ماء دافق ، أي ماء سائل ، جار ، لا كون له ، ولا تماسك بين أجزائه ..
وقوله تعالى : (يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ) ـ إشارة إلى مورد هذا الماء الدافق ، وأنه ماء مخرجه من بين الصلب والترائب ..
والصلب ، فقار الظهر ، والمراد به صلب الرجل ، أي ظهره.
والترائب : جمع تريبة ، وهى موضع القلادة من الصدر .. والمراد بالتربية هنا تريبة المرأة ..
فالماء الذي يخلق منه الإنسان ، هو ماء الرجل والمرأة معا ، حين يلتقيان فى رحم المرأة ..
وفى وصف الماء بالتدفق ، إشارة إلى أنه ماء قد خرج خروجا طبيعيا ، بعد أن استوى ونضج فى صلب الرجل ، وتربية المرأة ، وأنه ليس ماء انتزع انتزاعا من موضعه قبل أن ينضج ويستوى ..
قوله تعالى :
(إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ* يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ).
أي أن الله سبحانه الذي خلق هذا الإنسان من هذا الماء الدافق ، قادر على أن يرجعه إلى الحياة بعد الموت ، ويخلقه خلقا آخر ، كما خلقه أول مرة .. فهذا الماء لا يختلف ـ فى تقدير الإنسان ـ عن هذا التراب الذي الذي يبعث منه الإنسان بعد موته .. كلاهما شىء بعيد عن صورة الإنسان .. فما أبعد ما بين الإنسان ، وبين الماء ، أو التراب!